لكل مجتمع على وجه الأرض، قديماً وحديثاً، عاداته وقيمه وسلوكياته التي تُميزه عن المجتمعات الاخرى. ولدراسة أي مجتمع هنا أو هناك، لابد من تسجيل ورصد الكثير من الملامح والمعالم التي تُشكل ذلك المجتمع، سواء أكانت فكرية أم ثقافية أم عقدية أم اجتماعية أم اقتصادية. ودراسة المجتمعات بما تحويه من مكونات بشرية وأنماط سلوكية، تُعتبر كالسجل الوثائقي الذي يعكس تطور أو تراجع تلك المجتمعات. ودراسة المفردات التي يُشاع تداولها في فترة زمنية معينة لأي مجتمع، تُمثل صدى حقيقياً لواقع ذلك المجتمع، لأن المفردات المتداولة بكثافة أشبه بكائنات حية، لها مراحل خلق ونمو وتطور وتأثر وتأثير، وبالتالي يُمكن تشخيصها وتحليلها وقياسها. دراسة المفردات التي يُشاع تداولها في فترة زمنية معينة لأي مجتمع، تُمثل صدى حقيقياً لواقع ذلك المجتمع، لأن المفردات المتداولة بكثافة أشبه بكائنات حية، لها مراحل خلق ونمو وتطور وتأثر وتأثير، وبالتالي يُمكن تشخيصها وتحليلها وقياسها والمجتمع، رغم تمتعه بالكثير من المظاهر والتمايزات، إلا انه في نهاية الأمر لا يختلف كثيراً عن المسيرة الطبيعية للمجتمعات، القريبة والبعيدة. ومع بزوغ الالفية الثالثة، وطغيان الثورة المعلوماتية الهائلة، وتغوّل التقنية الحديثة بوسائلها ووسائطها، تشكلت منظومة جديدة من العادات والقيم والسلوكيات التي لم يعتد عليها المجتمع . وبرصد بعض المفردات الشائعة والحسّاسة في هذا المجتمع الذي يواجه تحديات وصعوبات كبرى، نستطيع أن نشكل صورة واضحة لهذا المجتمع الذي تُنسج حوله الكثير من الأوهام والشكوك والمخاوف التي لا وجود لها إلا في فكر ومزاج شريحة لا تجيد التعامل مع واقع المرحلة الراهنة، وتفضل العودة للماضي بكل تخلفه وظلامه. والمفردات والعبارات - كما ذكرت - عبارة عن كائنات حية، ولكنها تُعطي مؤشرات ومدلولات ومعاني عن واقع المجتمع الذي يغص بالكثير من هذه المفردات والعبارات التي تُمثل ظاهرة هنا، أو تُعبر عن حالة هناك. بالنسبة لي، اخترت بعناية سبعاً منها، وجدتها ترمومتراً حقيقياً وصادقاً لقياس واقع المجتمع في هذه المرحلة الحرجة. الخصوصية، هذه المفردة البائسة التي تسببت، ومازالت في تراجع عجلة التنمية الشاملة في هذا الوطن الكبير. ففي ذهنية البعض، نحن فقط، من نملك خصوصية دينية وأخلاقية وقيمية ومجتمعية، بينما بقية المجتمعات الاخرى تعيش حالة من الانفلات والفوضى والتقليد. الاختلاط، مصطلح مثير لا وجود له تقريباً إلا في مجتمعنا. وكم كشف هذا المصطلح الساذج عن مدى التناقض والزيف والارتباك الذي يُمارسه البعض في مجتمعنا. فلا مشكلة في الاختلاط خارج أسوار الوطن، أو في المستشفيات أو في بعض الوظائف، ولكنه في مخيلة بعض الواهمين يُمثل انهيارا اخلاقيا . الفن بمختلف ألوانه ومستوياته، كالمسرح والسينما والموسيقى والنحت، يقع في دائرة التابو. وتُعد النظرة المعتلّة التي يحملها البعض للفن سبباً جوهرياً لغياب الكثير من المفاهيم والقيم والسلوكيات الراقية . الليبرالية، كمفردة تُمثل العديد من المفردات الحديثة التي أصبحت بمثابة التهمة الجاهزة لكل من يُحاول التمرد على بعض الموروثات المجتمعية القديمة أو المتخلفة. وتكمن الخطورة، حينما تُعتبَر الليبرالية أو غيرها من المصطلحات الحديثة عقيدة روحانية، بينما هي في واقع الأمر مجرد ممارسة سلوكية رائعة لبعض القيم والمبادئ . الآخر، مهما كان هذا الآخر، فهي مفردة شائكة وملتبسة في المجتمع، وتعكس مدى الخوف والقلق من كل شيء مختلف عن السائد، سواء أكان من بعض شركاء ومكونات الوطن، أم من خارج الاسوار. الآخر، المختلف في الدين أو المذهب أو الفكر أو الفئة أو القبيلة، مفردة كريهة تتمظهر بامتياز في مجتمعنا. المرأة، وهي الحلقة الاضعف والتي تُمثل الشرائح والفئات المهمشة في المجتمع، فرغم ما حققته المرأة من مكاسب وانجازات في الداخل والخارج، إلا أنها مازالت حبيسة المربع الأول، مربع الشك والريبة والعار. المرأة في مجتمعنا، حتى الآن لم تحظ باعتراف حقيقي من مجتمع مازال ينظر لها كتابع وملحق بالرجل، لا كشريك حقيقي في تنمية الوطن. أما حافز، المفردة الحديثة التي بدأت تجتاح المجتمع منذ عدة شهور، فتُشير للكثير من التناقضات والاختلالات في واقع المجتمع . حافز، مفردة مخجلة لطرفيْ النزاع، أشغلت العاطلين دون أن تقدم لهم الحلول. الفساد، ساهر، الحب، اختبارات القدرات، الوسطية، ترضاها لاختك، الشفافية، البطالة، نطاقات، مجتمعنا المحافظ، والكثير الكثير من المفردات والعبارات الحسّاسة والشائعة والمثيرة في المجتمع. هذه هي قائمتي المفضلة للمفردات السعودية الاكثر إثارة وحساسية، ولكنني على يقين بأن لكل مواطن مفرداته الخاصة، ولكن السؤال هنا: ما هي تلك المفردات؟