كلما تقدمنا نحو وسط الرياض قلب العاصمة فاح عبق الآباء والأجداد، ورحلت بنا الذاكرة إلى حيث الزمن الماضي بكل معالمه المنقوشة في سمات أفراده رجالاً ونساءً كهولاً وشيوخاً.. شباباً وشابات.. وتقفز إلى أخيلتنا تصورات طفولة أروع ما تكون في أزمنة البساطة والنقاء بل لا نبالغ لو قلنا إننا نبحر إلى الداخل عبر رحلة تزداد اضاءاتها وهجاً كلما دنونا من مناطق يأبى التاريخ نسيانها.. ساحة المربع.. المصمك.. ساحة الصفاة.. ميدان الساعة.. بوابة الثميري.. سويقة.. سوق الزل.. المعيقلية.. شارع السويلم والظهيرة.. شارع الوزير.. المتحف الوطني.. تلك المفردات التراثية تفرض وجودها في أعماقنا رغم اتساع رقعة المدينة ونزوح أهلها إلى أطراف مترامية من شمال إلى جنوب وبين غرب وشرق حتى أصبحت تلك المساحات الجغرافية من العاصمة «الرياض» تشكل مدينة قائمة بحد ذاتها. ولكن نلحظ مع هذه الثوابت التراثية، تلك الوجوه المتعددة لجنسيات مختلفة الملامح.. لشعوب الأرض المختلفة التي جاءت بكل ثقافاتها وعاداتها وتراثها تتمتع بعبق ماضينا وترتع في مراتع صبانا، هم وأسرهم وأطفالهم ولا تكاد تجد من أبناء الوطن إلا ثُلة صغيرة نزحت من أطراف العاصمة كلما حدا بها الشوق للماضي.. أفواج المقيمين بين أفارقة وآسيويين وهنود وعرب من دول مجاورة افترشوا ساحة المربع والمصمك هم وأسرهم وتنقلوا بين أسواق الرياض القديمة سويقة والثميري وشارع الوزير والسويلم حتى أصبحت البضائع المباعة تحاكي احتياجاتهم ومتطلباتهم على اختلافها..! وخلال فعاليات مهرجان الرياض للتسوق والترفيه التي شملت تلك المناطق ببرامج وعروض ترفيهية وثقافية بالمركز التاريخي ومكتبة الملك عبدالعزيز والمتحف الوطني إلا أن معظم المستفيدين هم المقيمين.. فأين أبناء الرياض عن قلب مدينتهم؟! بعد جولة ليست قصيرة وسط هذا العبق التاريخي الكبير توصلنا إلى إجابة مقنعة لهذا التساؤل. فعلى الرغم من الجهود الجبارة التي قامت بها الهيئة العليا للسياحة وأمانة مدينة الرياض واهتمام وكالة الاثار والمتاحف إلا أن المنطقة بحاجة إلى مقومات أكبر لجذب المطوانين وغيرهم من السياح من خارج المملكة.. وبمعنى آخر نريد نكهة سعودية خالصة تضاف إلى تلك المنطقة.. مطاعم شعبية حديثة بطراز وفن معماري قديم تقدم مختلف الأطعمة الشعبية فقط، ومقاه حديثة تقدم أيضاً المشروبات السعودية المختلفة مع أنواع الحلوى المشهورة لدينا في المملكة، ونحتاج إلى إقامة فنادق كبيرة أو شقق مفروشة راقية توفر كافة الخدمات الفندقية على أرقى المستويات، كذلك تحويل أشهر الأسواق في تلك المنطقة كوسيقة والثميري إلى سوق شعبي بتصميم سعودي أصيل بحيث يقدم المنتجات الوطنية القديمة من أوان منزلية، وحلي وملابس نسائية نجد بعض المصانع السعودية المشاغل التجارية ما زالت تقدمها للسوق كمنتجات تلقى إقبالاً كبيراً من النساء والفتيات، وهذه الأسواق لابد أن تركز على الماضي وأحيائه تماماً كالسوق الشعبي في الجنادرية التي يمثل صورة مصغرة وناجحة لهذه الفكرة.. أيضاً يوفر السوق العطور والبخور والذهب، والتحف.. الخ. ومن عوامل النجاح عدم إغفال الجانب الترفيهي بحيث تقام جلسات عائلية تناسب خصوصية المجتمع وعاداته وتطعم بمدن ملاه حديثة ومسرح للطفل يقدم عروضاً تراثية للأطفال من أهازيج وأناشيد وقصص قدية. أيضاً التصوير هو توثيق للوقائع والأحداث كما أنه من الشواهد على تقدم الزمان وتلك المناطق تخلو تماماً من استوديوهات التصوير إلا من استوديو واحد أو اثنين على الأكثر.. ولو استحدث هناك استوديو حديث يوفر تصوير الأطفال بالملابس السعودية القديمة كالمرودن والدراعة والمخق أو بالزي العسكري القديم أو الحديث أو أمام ميدان الصفاة أو عند المصمك. وهذه من الأمور التي تشجع على ارتياد تلك المناطق. باختصار نريد قلب الرياض ينطق بنجد القديمة قبل مائة عام ولا أعتقد أن تحقيق ذلك سيكون صعباً.