تميز المجتمع السعودي على مدى عقود طويلة ومنذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة بقيادة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود بالاستقرار السياسي المتكئ على ما أسماه دوركهايم بالتضامن الآلي بين مكونات المجتمع السعودي ومؤسساته السياسية والدينية والاجتماعية والعسكرية والسلطة التقليدية التي حدد سماتها ماكس فيبر في الناحية السياسية. وقد أدى هذا المزيج إلى الاستقرار الاجتماعي والتنمية المضطردة التي نقلت مجتمع المملكة من حياة العوز والجهل إلى مجتمع يفخر بإنجازاته في شتى الميادين. ولكن هل كان الملك عبدالعزيز ومكونات المجتمع السعودي الفتي يعلمون عن نظريات دوركهايم وماكس فيبر وغيرهما من العلماء والفلاسفة فيقتدون بهم؟ بالطبع لا. إن منهج الملك ومواطني دولته كان القرآن الكريم وسنّة رسوله الكريم. نعم لقد كان نصب أعينهم قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا». فقد قامت هذه البلاد على كلمة التوحيد في جميع مناحي الحياة ومنها وحدتها الوطنية التي يجني ثمارها الأحفاد الآن ونعيشها واقعاً ملموساً. ولم يغفل الملك عبدالعزيز ومن حوله من الرجال عن أهمية التعايش مع دول العالم ومجتمعاته؛ فهو يدرك الترابط الآلي بين الأمم والمجتمعات ومدى حاجة كل للآخر والمصالح المشتركة، فتعامل مع أغلب دول العالم وفق كتاب الله وسنّة رسوله وبما لا يتناقض مع عقيدته الشرعية وفي ذات الوقت يحقق مصالح بلاده ومجتمعه متخذاً نبراساً من قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة (8). ومتخذاً قدوة من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «الحكمة ضالة المؤمن». ولا يفوتنا في هذا المجال الإشارة إلى مجموعة التحولات العالمية التي شهدها العالم منذ ثمانينيات القرن العشرين، حيث شملت التغييرات مجالات شتى من الحياة، كما شهدت دول العالم نمواً ملحوظاً في درجات الترابط والاعتماد المتبادل بين الدول. فضلاً عن ذلك فإن أنواعاً كثيرة من التشابكات والتداخلات بين الظواهر والأحداث المختلفة صارت تجري في العالم المعاصر متجاوزة الحدود الوطنية للدول، وبالتالي فقد أصبحت نسبة غير قليلة ومتزايدة من القرارات التي تمس حياة الأفراد في مختلف المجتمعات تتخذ على نطاق واسع من جانب كيانات عالمية مختلفة. وعلى الرغم مما شهده الجنس البشري في هذا القرن من تقدم حضاري وتعددد الإنجازات العالمية التي غيرت وحسنت أسلوب الحياة البشرية في كل مكان فقد امتدت هذه التحولات إلى مختلف التكوينات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في مجتمعات العالم معتمدة على عمليات العولمة التي فرضت أنظمة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية بل وتشريعية بعينها على مختلف دول العالم، وتتخذ في ذلك أساليب صريحة قليلة وأساليب ضغط مقنعة لا تقع تحت الحصار ولا الحصر. وتحت مسميات براقة جاذبة ومعانٍ سامية غير أن حقيقتها ذات أهداف سياسية واقتصادية واستعمارية جديدة. وهنا يأتي دور تنمية ثقافة الانتماء الوطني والالتفاف حول القيادة السياسية لغلق الثغرات التي يحاول الولوج منها المتربصون. وبما أن ثقافة الانتماء تمر بعدة مراحل ويقوم عليها عدة جهات تبدأ بالمنزل والمدرسة والمسجد والإعلام وجميع مؤسسات الدولة الثقافية والتعليمية. فإن غرس وتنمية ذلك الشعور بالانتماء يصبح واجباً شرعياً وطنياً في يوم الوطن.