ثمة تصرفّات وسلوكيات يقوم بها بعض الأشخاص تكون مثار استغراب لكل من يشهد هذه السلوكيات والتصّرفات، وتكون هذه الأفعال غريبة لدرجة أن كثيرا من الملاحظين لهذه التصرّفات لا يُصدقّون بأن ما يحدث أمامهم هو فعل يقوم به إنسان يملك عقلا يُفكّر به، ولكن يكمن خلف ذلك مشاعر مرضية يُعاني منها هذا الشخص الذي يقوم بمثل هذه السلوكيات. حول هذا الموضوع ومواضيع آخرى مُشابهة كتب الدكتور مارك فيلدمان "Marc D. Feldman" كتاباً عن ادعاء المرض، واضطرابات ادعّاء المرض بشتي صورها. هذا الكتاب يحوي معظم المواضيع التي تدور حول هذه السلوكيات من تصّرفات بعض الأشخاص المضطربين سلوكياً والذين يقومون بأفعال بحثاً عن لفت انتباه الأشخاص المحيطين بهم. هذا الكتاب الذي يحوي هذه المواضيع اسمه "Playing Sick? ". يتحدّث هذا الكتاب عن اضطراب مشهور،كان يُسمى "الإدمان على المستشفيات" ثم سُمي لاحقاً "Munchausen Syndrome" . هذا الاضطراب ربما واجهه كل من يعمل في مجال الطب أو حتى من يعمل في المستشفيات من غير الأطباء أو الممرضين. هذا الاضطراب الذي شغل العاملين في المجال الصحي لوقتٍ طويل في مستشفيات حكومية بسبب التكاليف المالية التي تتكبدها المستشفيات الحكومية بسبب هؤلاء الاشخاص الذين يتمارضون ويُكلفون المستشفيات مبالغ طائلة لأمراض يدّعونها. معظم الأطباء خلال عملهم مرّوا بحالات مثل هذه الحالات، بصورٍ مختلفة؛ بعض هذه الحالات صعبة جداً، وبعضها تكون حالات مقبولة، ويكون هناك مُبرّر لبعضٍ من هذه السلوكيات. أذكر مريضة كانت تُعاني من هذا الاضطراب؛ تُريد أن تبقى منوّمة في مستشفى، فبقيت منوّمة في المستشفى لبضعة أشهر بدعوى أمراض مختلفة، وعندما لم يعد هناك مجال لأمراض أن تُبقيها في المستشفى، أدّعت بأنها تُعاني من مرضٍ في الكلى واضطر الأطباء لاستئصال إحدى كليتيها! برغم أن بعض الأطباء لم يكونوا مقتنعين بعملية الاستئصال هذه!. يتعرضون للعديد من الفحوصات المكلفة هذه المرأة ظلت لسنوات تتنقّل بين المستشفيات في الرياض، فمن مستشفى لآخر، و أحياناً تطلب تدخّل أشخاص ذوي نفوذ كي تبقى منوّمة في المستشفى، بغض النظر عن تقديم أي خدمات علاجية لها. هذه المشكلة، مشكلة عالمية مُنتشرة في معظم دول العالم، وتشكو منها الجهات الصحية المسؤولة في أكثر دول العالم. في فيلم وثائقي بثته قناة البي بي سي البريطانية الثانية عن حالة سيدة إنجليزية تُعاني من هذا الاضطراب، عملت أكثر من 90 علمية جراحية، تنوّمت في المستشفيات لمئات الليالي وصُرف عليها أكثر من مليون جنية استرليني، وبعد أن تابعها فريق العمل الذي يقوم بإنتاج هذا الفيلم الوثائقي لفترة طويلة استمرت أكثر من عام، وتابع دخولها إلى مستشفيات متعددة في مدن عدة عبر انجلترا واسكتلندا، حيث قامت بكسر يدها مرةً لتدخل مستشفى، ومراتٍ أخرى أجرت عمليات، مثل عمليات مرارة، وعملية زائدة وعمليات آخرى كثيرة في مستشفيات متعددة في مدنٍ كثيرة، حيث كانت تتنقّل من بلدٍ إلى آخر بحثاً عن الدخول والتنويم في المستشفيات، وعندما واجهها فريق العمل في البرنامج التلفزيوني بأنهم تابعوها في عدة مدن ودخولها إلى المستشفيات بصورٍ متعددة لأسباب غير مقنعة، واعترفت هذه السيدة بأنها كانت تبحث عن من يُحبها، حيث كانت تعيش وحيدة، وحاولت أن تتقرّب من بعض اخوتها ولكن الكل كان مشغولا بنفسه وعائلته، وكانت تشكو من الوحدة وعدم وجود من يعتني بها أو يُشعرها بالحب والحنان. أكثر من شخص مروّا علينا في المستشفى يُعانون من هذا الاضطراب، وهو إيذاء النفس لكي يدخل الشخص الى المستشفى، فقد كانت هناك فتاة تحاول بشتى الوسائل أن تتنوّم في المستشفى، وقد تنقلّت بين عدد من المستشفيات في الرياض، وكانت نتائج تحاليل الدم عندها غريبة لم يستطع أحد إيجاد تبرير لهذه التغييرات في تحاليل دم هذه الفتاة. وبعد ذلك تبيّن بأن هذه الفتاة تحقن نفسها بالوريد بمياه ملوثة، وهذا مايؤدي إلى لخبطة نتائج فحوص الدم عندها، بقيت في المستشفى أياماً كثيرة يبحث الأطباء عن سببٍ لاختلال نتائج تحليل الدم عند هذه الفتاة. فتاةٍ أخرى كنّا نتوقع أنها تعاني من هذا الاضطراب، وكنّا نتعجّب من اختلاط البول عندها مع الدم، وبرغم أن ممرضة كانت تدخل معها إلى دورة المياه، ولكن كانت الفتاة عندما تدخل معها الممرضة دورة المياه، كانت الفتاة تطلب منها أن تُدير وجهها لأنها تُريد التبّول، وعندما تُدير الممرضة وجهها كانت الفتاة تُدخل سلكا من علاّقة الملابس الحديدية إلى مجرى البول ويخرج الدم مع البول. وأخيراً تم اكتشاف هذا الأمر واعترفت الفتاة بما كانت تفعله في دورة المياه. وللأسف فإن علاج مثل هذه الاضطرابات ليس سهلاً، وليس هناك طرق مُعينة لعلاج هذا الاضطراب بشكلٍ مُباشر، ولكن إذا كان هناك اضطراب نفسي وراء هذا السلوك والتصرفات فإنه يتم علاج هذا الاضطراب، خاصةً إذا كان اضطراب اكتئاب أو أي اضطراب نفسي أو عقلي آخر. ادعاء المرض هو أمر معروف من أزمان بعيدة ادعاء المرض هو أمر معروف من أزمان بعيدة، وكان كثير من الأشخاص يدّعون المرض لمكاسب شخصية، فهناك ادّعاء مباشر من الشخص بالمرض، ويكون الشخص عارفاً بذلك ويُسمى هذا الاضطراب Malingering، أي أن الشخص يدّعي المرض لكي يكتسب شيئاً شخصياً، مثل أن يدعّي الشخص بأنه مريض لكي يتم تقاعده من العمل لسبب طبي، فيحصل على مُرتب تقاعدي أكثر مما لو ترك العمل، أو أنه إذا ترك العمل بدون أن يدّعي المرض، فإنه لا يحصل على أي مُرتب تقاعدي، لذلك فإنه يدّعي المرض، وغالباً ما يدّعي مثل هؤلاء الأشخاص الامراض العصبية أو النفسية، لأنه من الأسهل على مثل هؤلاء الأشخاص أن يدّعوا بأنهم مرضى بأمراض نفسية أو عصبية من الادعاء بأمراض عضوية يسهُل كشفها من الأطباء المختصين. الشخص الذي يدّعي المرض غالباً ما يتم كشفه لأنه يدّعي المرض ويكون يعرف بعض الأعراض عن المرض من قراءات أو من أحاديث لأشخاص آخرين علّموه ماذا يقول ولكنه لا يستطيع أن يصمد كثيراً في تقليد الأعراض المرضية للاضطرابات النفسية أو الأمراض العصبية، فيتم اكتشافه بعد فترةٍ قصيرة، وإن كان بعض من هؤلاء الأدعياء ينجح في إيهام الأطباء بمرضهم ويحصلون على مُبتغاهم من وراء ادعاء المرض. بعض هؤلاء الأدعياء مثلاً، يدّعون بأنهم مرضى نفسيون بعد قيامهم بارتكاب جرائم كبيرة، ويدّعون أنهم قاموا بهذه الجرائم تحت تأثير المرض النفسي، وهنا تقع مشاكل كثيرة في تبرير مدى صحة هذا الادعاء المرضى من حقيقة أن يكون الشخص مريضاً بمرض نفسي حقيقي وقام بارتكاب هذه الجريمة تحت وطأة المرض النفسي، لذلك فالقضاة حذرون من قبول أن الشخص الذي يرتكب جريمة يكون مريضاً نفسياً إلا إذا تيقّنوا تماماً بأن هذا الأمر صحيح تماماً وبشهادة لجنة طبية شرعية نفسية، تتكون من مجموعة من الأشخاص المختصين، نظراً لأنه من المحتمل أن يتواطأ طبيب نفسي مع شخص غير مريض ويكتب له تقريراً بأنه مريض نفسي وهو ليس كذلك. لقد أُدخل شخص قتل سائحة أمريكية في القاهرة مستشفى الصحة النفسية بتقرير غير صحيح، وتبيّن فيما بعد بأن هذا المريض قد رشى طبيباً نفسياً بمبلغ خمسة عشر الف دولار وكتب هذا الطبيب تقريراً يفيد بأن القاتل مريض عقلي وأودع مصحة للأمراص النفسية بالقاهرة،وتبين بعد التحقيقات بأن هذا المريض المجرم كان يقضي أمسياته في منزله عند أهله، وتم إلقاء القبض عليه عندما هاجم مرةً آخرى حافلة تُقل سياحا أجانب أمام المتحف المصري بالقاهرة، وهذا ماكشف كل التواطأ الذي قام به الطبيب النفسي، وفعلاً تم القاء القبض على الطبيب المزوّر وحُكم عليه بالسجن!. هذا الأمر يجعلنا نتوخى جانب الحذر في موضوع التقارير الطبية التي تصدر من أطباء منفردين، لأنه لابد أن تكون التقارير من لجان متخصصة، حتى يتم بقدر الإمكان ضبط هذا الأمر والبعد عن الشبهات في موضوع تزوير بعض التقارير لأغراض مادية، يضعف بعض الأطباء أمام هذه الإغراءات. هذا جزء مما تعرّض له الكاتب في كتابه، وسوف نتحدّث عن مواضيع آخرى في الاسابيع القادمة.