يعرف كلّ واحد منّا مجموعة من الأخبار التي سمعها أو عرفها، وبعض هذه الأخبار مشاع للآخرين، وبعضها خاص بالشخص ربما لايعرفه الآخرون. وحينما تجمعنا اللقاءات اليومية مع الأصدقاء والزملاء فإننا نتبادل الأخبار التي لدينا، ويكون الواحد أمام مهمة صعبة في اختيار الخبر أو الأخبار المناسبة. ولكن عملية الاختيار هذه ليست عملية اعتباطية بقدر ماهي عملية منتظمة تسير وفق رؤية شخصية لكل إنسان. أعرف شخصًا لايدور على لسانه سوى الأخبار السيئة عن الناس وعن المجتمع وعن مجمل الأحداث التي تجري، ويدمج هذه الأخبار بنظرة مستقبلية سوداوية للحياة. وحينما دققت في طريقته في سرد الأخبار وجدت أنه يُهوّل من أيّ خبر صغير ويجعل منه كبيرًا، ويضخم الصغائر حتى لتبدو وكأنها مصائب عظيمة. وإذا شاركه السامع سرد أخبار مشابهة، انتشى وراح يزيد من عنده أخبارًا أخرى عن فلان وعلان. أما إذا اكتفى السامع بالصمت، فإنه يشعر بعدم تصديقه، فيروح يستشهد بمصادر أخرى تقوّي روايته لأخبار سلبية أخرى. وتنتشر الإشاعات أكثر ما تنتشر عن طريق مثل هؤلاء، وخاصة الإشاعات التي لها طابع يحمل الشر والضرر. والملاحظ أن هذا النوع من الأشخاص بدأ يكثر ويزداد مع كثرة وسائل النشر وقنواته، فمثلًا تجد في مواقع الإنترنت وصحفه كمًا هائلا من الأخبار السلبية المفزعة عن المجتمع وعن الناس وعن الأنظمة والتعاملات والحكومات..إلخ، وحتى الأخبار الإيجابية فإنها تنقل بطريقة تحمل سلبية من خلال اختيار العناوين المثيرة واستخدام أفعال انفعالية أو استفزازية، فإذا قال شخص بأنه لم يطلع على المعلومة، جاءت الصياغة بأنه «فلان يعترف بالجهل» أو «فلان يدين نفسه بالاعتراف بقصور فهمه»، وإذا قال بأنه سيبحث الأمر ويتقصاه، جاء العنوان على نحو شبيه ب «فلان يهدد ويتوعد بالكشف عن المستور» أو «فلان سوف يفضح الأمور». وهكذا تسير بعض التصورات على هذه الطريقة التي تسعى لإثارة الفزع لدى القارئ من باب إثارة اهتمامه. ونظرًا لتكرار هذه الأخبار وتواترها بشكل يومي فإن القارئ المتابع لها يصبح رهينة لشعور مفاده أن بلدًا ما لايصلح للحياة لما فيه من جرائم وانتهاكات واعتداءات مستمرة وانفلات للأمن وضياع للحقوق. وسأنقل موقفين لهما صلة بردود الفعل تجاه هذه الأخبار، فهناك أستاذة أمريكية من أصل فلسطيني، زاملتها حينما كنت مبتعثًا في أمريكا، وظلت العلاقة معها قائمة عبر الرسائل نتبادل التهاني في المناسبات، وذات مرة كانت مفزوعة وهي تسأل عن صحتي وصحة أسرتي، وقد استغربت منها ذلك، فذكرت لي أنها تقرأ بعض الصحف الإلكترونية السعودية وهالها ما تقرأ من معلومات وأخبار عن القتل والسرقة والتزوير والاختطاف والاعتداء والنصب والاحتيال وغيرها من الجرائم، وبنت تصورات عامة بأن البلد غير مستقر، وأن الحياة فيه صعبة للغاية. فطمأنتها بأن ماينشر من أخبار هي حوادث فردية هنا وهناك، بعضها صحيح وبعضها تنقصه الدقة، ولكن الواقع بخلاف ذلك تمامًا؛ فالجرائم تقع في أي بلد في العالم والأخطاء موجودة عند البشر وعند كل من يعمل في أي موقع، ولكن هناك أمن وهناك انضباط وهناك قوانين ونظام، وهناك تصحيح للأخطاء، وهكذا تسير الحياة. والموقف الثاني لأحد الأصدقاء الذي اشترك في إحدى الصحف الإلكترونية لتزويده بالأخبار الجديدة أولًا بأول على جواله، وكانت تصله الرسائل على جواله بالأخبار، وكان يطالعها ويشعر بالغم، وذات يوم تأخر في فتح جواله، وحينما فتحه وجد 17 رسالة من هذه الصحيفة، ثم راح يقرأها فإذا هي أخبار عن قتل واختطاف وسلب واغتصاب..إلخ، فتنكّد مزاجه وضاق صدره ووجد أن شيئًا ثقيلا يجثم على صدره طوال ذلك اليوم لكنه لم يعرف السبب، وصار سهل الانفعال وسريع الغضب. ومن الغد لم يقرأ رسائل الصحيفة فارتاح مما كان عليه، وبعد ذلك، قام بإلغاء الاشتراك في هذه الصحيفة. يقول: ومن يومها وأنا في حال أحسن، لقد كتمت تلك الأخبار على أنفاسي وجعلتني أعيش حياة نكدة لا تطاق. إن اختيار الخبر وطريقة صياغته يعودان بالدرجة الأولى إلى شخصية الراوي أو الناقل؛ فالخلفية الثقافية والتجربة الإنسانية التي مرّ بها ذلك الشخص في طفولته ستبقى بمثابة الشاشة التي تفرز الأخبار وتقوم بتحريرها بطريقة تناسب نمط الشخصية حتى لو خالفت الواقع..