ملامح السياسة العالمية بعودة حرب باردة بأدوات جديدة، بدأت ملامحها تظهر مع بروز الصين قوة قادمة، كقطب كبير يملك إمكانات مادية وبشرية وتراثاً حضارياً هائلاً، وتارة يصنف العنصر الصيني ثم الهندي عاملاً أساسياً بالتحولات القادمة، وتأثيرها.. فالدول التي لديها جاليات صينية متحكمة بالاقتصاد والحركة التجارية والصناعية، تعد روافد أساسية للصين حتى لو لم يحملوا جنسيتها، وتحظى داخل تلك الشعوب بالاحترام والمواطنة، واليابان، بدورها كإحدى ركائز الاقتصاد العالمي، قد لا تنظر بعين الرضا عن تسارع تقدم الصين، لكنها تفهم أن الواقع يتغير، وبالتالي فالمصالح تتحدد وفق سياق يضع الجوار بين البلدين، يجب أن يخرج من العداوات التاريخية، التي ظلت اليابان المعتدي والمستعمر بأبشع صور انتهاك حقوق الشعوب، عندما اعتمدت سياسة الاستعباد للشعوب الآسيوية، ومع أن المخلفات التاريخية تبقى بالذاكرة الجمعية، فإن الجيلين في اليابان والصين هما مواليد جدد خارج سياق الماضي وآثاره، ولذلك نرى استثمارات اليابان في الصين رقماً هائلاً، وحتى مع الاعتبارات التي تجعل التحالف الأمريكي الياباني مشكلة أمنية، فهذا بالنسبة للصين ليس مدعاة خوف، لأن الحروب العالمية انتهت بآخر حرب خاضها العالم، ويبقى التنافس الاقتصادي والعلمي، وغزو أسواق العالم جوهر القضية في الغرب علىضفتي الأطلسي مع الشرق كله الحليف مثل اليابان وكوريا، أو القوتين القادمتين بقوة الصين والهند.. من خلال هذه الاشكالات بالمنافسة على الأدوار الرئيسية في ادارة العالم، ما هو موقع أمريكا وأوروبا، ثم روسيا، تجاه القوى الناشئة والتي ستدخل المعترك بقائمة انجازاتها وعطائها؟ أمريكا لن تكون المعادل الضعيف، ولكن ليست القطبية الأحادية في العالم، وقد تكون مخاوفها من الصين أكثر من غيرها، حتى لو افترضنا أن الحجم السكاني ومخلفات الثورة «الماوية» وما قبلها لها الأثر الذي لا تستطيع الصين التغلب عليه بقائمة إصلاحات، وهي أعباء هائلة، إلا أنها تنفرد بطاقة بشرية لديها الاستعداد أن تضع نفسها في طليعة الشعوب، وتبقى أمريكا هي المسيطر والمنتج والمستثمر للابتكارات وجذب العقول وتوظيفها، وهي الاقتصاد الأول، والذي لو اختل سقط معه الاقتصاد العالمي، لكن النظرة للمستقبل، والذي قد لا يكون بعيداً أن المزاحمة على المقاعد المتقدمة سيحد من الهيمنة الأمريكية لصالح غيرها.. أوروبا تعيش أزمة مالية حادة، قد تتغلب عليها خلال عقد من الزمن وبالتالي لن تكون في القائمة المتقدمة اقتصادياً، وإن بقي تأثيرها قائماً بقيود وروابط حلف الأطلسي، أما روسيا فهي تملك مخزوناً هائلاً من المواد الأولية والطاقة، لكنها الأقل تقدماً من حيث النمو الاقتصادي أو الابتكارات العالمية، لكنها إذا ما شكلت محوراً مع الصين، فقد تأخذ دورها كقوة عسكرية مساندة للقوة الاقتصادية الصينية، وفي كل الأحوال فعودة صراع الشرق مع الغرب وخارج الايدلوجيات الكلاسيكية، بدأت مؤشراته تظهر مما يعني أن هذا التنافس لصالح العالم وأمنه..