كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الدراما المحلية والتي لطالما ناشدنا - ونناشد - بالاهتمام بها والالتفات إليها ودعمها بشكل منتظم وجدي ومدروس؛ لما للدراما من أهمية بالغة ومكانة متقدمة بين وسائل الاتصال والإعلام قياساً على أثرها التراكمي الثقافي والفكري تجاه الفرد والمجتمع - المجتمع المحلي (نحن )أو العالمي (الآخر) - والمتسمة (الدراما) باللامباشرة في طرح الأفكار وتمريرها بسلاسة ووضوح لعقلية المشاهد - علاوة على سعة انتشارها واندراجها تحت مظلة الترفيه التثقيفي. إن الناظر للساحة الإعلامية في المملكة العربية السعودية يلمس اليوم التقدم الملحوظ والتطور السريع والمدروس لكافة وسائل الإعلام المحلية وأدواتها الإدارية والعلمية والتقنية، يأتي على رأسها الصحافة السعودية والتي تعد الآن في مقدمة الركب الصحفي العربي ولها حضورها ومكانتها العالمية، كما أن القنوات والمحطات الإذاعية والتلفزيونية سواء كانت تابعة للقطاع العام أو القطاع الخاص لم تقل عنها في مواكبة ذلك التطور الواعي. إلا أنه «أي الناظر» ليتساءل عن أهم أدوات الاتصال والاعلام وأكثرها فاعلية وشعبيةً ورقياً: الدراما (الروائية، المسرحية، الإذاعية، التلفزيونية والسينمائية) أين هي من الساحة الإعلامية الوطنية؟!! هل أدت الغرض وأوصلت الرسالة؟!! ولِمَ ظلت متأخرة ومتخلفة عن بقية وسائل التثقيف والاعلام المحلية فلم تقم بدورها الإعلامي التوعوي والحضاري كما يجب! لم يكن دافعي للكتابة حول «أهمية الدراما كدعامة وطنية ثقافية اجتماعية واقتصادية أيضا !!- وهذا ما سنعرج عليه لاحقاً - وواقعها المحلي وماوصلت إليه وماهو المأمول منها وسبل تطويرها والرقي بها» نتاج قرار آني أو اعتباطي!! أو لأن ما كتب حتى الآن - حسب اطلاعي - في هذا المجال الأساسي والمهم من مجالات الإعلام وأدوات الإتصال لا يتجاوز الجانب السردي الوصفي - السطحي، عطفاً على أن تلك الإصدارات أقل من عدد أصابع اليد الواحدة!! ناهيك عن أن غالب من كتب ويكتب في هذا الموضوع بعيدون كل البعد عن الوسط الفني السعودي وتنقصهم الخبرة والدراية بأبجديات هذا الفن الشمولي وهذه الصنعة الجمالية الراقية - باستثناء مقالات أستاذي الفاضل الأديب والمسرحي محمد العثيم في صحيفة الجزيرة والأستاذ الكاتب والمنتج ماضي الماضي بجريدة الرياض -.. إن ما دفعني للكتابة من خلال صحيفتنا العزيزة - الرياض - ملاقياً كل الدعم والتقدير من لدن المشرف على تحرير صفحة الثقافة الفنية الأستاذ محمد الرشيدي.. هو واقع الدراما المحلية المتردي من حيث المُنتَج والمنتِج على السواء، والنظرة المغلوطة للدراما كأداة ترف ثانوية للتهريج والترفيه والتسلية وبث رسائل توجيهية وارشادية بطريقة مباشرة وغبية وسمجة كيفما اتفق- بمقابل هذا الكم الهائل ذي الجودة الفنية العالية والامكانات الانتاجية الضخمة من المنتجات الدرامية الأجنبية - والتي لم تتأت لولا أن سخر لها امكانيات مادية، بشرية، علمية وتقنية جبارة - ، فالمشاهد في الوقت الحالي يستقطبه العمل الفني الجيد بغض النظر عن الجهة المنتجة - وبطبيعة الحال فان لكل منتج درامي أهدافه !!- فلربما وجد (المشاهد) ضالته في أعمال متميزة من الناحية الفنية والترفيهية ولكنها قد تحمل معها أطروحات وأفكار ربما تسهم بشكل أو بآخر في تمييع الهوية، ولا أبالغ إن قلت أنه ومع الأثر التراكمي يتخلق نوع من الاستلاب أو الاغتراب: أي خلق هوة بين المرء وواقعه فتتغلف الذات بمشاعر الغربة والوحشة والانخلاع (الانسلاخ) ثم مرحلة اللاانتماء!! - لربما استنكر علي البعض مقولتي هذه والتي تظهر وكأنها امتداد لما يسمى بالتحذير من غزو ثقافي!! وقد يرى البعض الاخر أن ذلك مجرد نوع من التفاعل الثقافي والفني فينبغي ألا ننعزل عن الثقافة العالمية؟! ولعلي هنا أفرق في هذا المجال بين التفاعل الثقافي وهو مطلب للتواصل الانساني والحضاري: فنقدم نحن منتجنا الثقافي الفني ويقدم الآخرون منتجاتهم الثقافية والفنية - وبين المثاقفة وهيمنة ثقافة أقوى (منتجة) على أخرى أضعف (مستقبلة لنتاج الآخرين !!). وهكذا تظل غائبةً عن أذهاننا الأهمية البالغة لهذه الأداة الإعلامية الفعولة وخطورتها وقدراتها غير المحسوسة حيث تُرسِخ في عقلية المشاهد من حيث يعي ومن حيث لا يعي صورة نمطية معينة عن موضوع معين ليس بالضرورة أن تكون هذه الصورة صحيحة.. وهنا وقفة - انظر إلى التصوير المتسم بالنمطية والتشابه للشخصية العربية والإسلامية في بعض الأفلام السينمائية الأجنبية منذ أواخر الستينيات وحتى الآن، ومدى تأثير ذلك على المشاهد البعيد عن مجتمعاتنا العربية والاسلامية في تكوين صورة مغلوطة مشوهة ومنفرة راسخة في ذهنه، كما يجب أن تنظر بالمقابل أيضاً إلى تصوير النموذج الغربي على أساس أنه الأمثل للمجتمعات الأخرى حتى لو بدا لنا من الوهلة الأولى أن تلك الأعمال الدرامية السينمائية تنتقد بعض السلبيات في المجتمعات الغربية وتبرزها و.. و.. ما إلى ذلك- هذه نقطة مهمة أرجو أن تكون في الحسبان ناهيك - أخي القارئ الكريم - عن الدور الحضاري والبنيوي الذي تقوم به الدراما للمجتمعات المتحضرة.. إننا حين نقدم عملاً درامياً فنحن بطبيعة الحال نعكس الواقع الحضاري للبيئة والمجتمع يستدعينا لنولي العمل الدرامي الوطني الإهتمام الكافي الذي يستحقه فهو شاهدٌ لنا إن أحسناه، أو شاهد علينا إن أخذنا الموضوع بسطحية وتهميش ولا مبالاة ولم نطوره فنياً وفكرياً وانتاجياً.. يتبع..