ربما لا تخلو مائدة من موائد الإفطار الرمضاني في السعودية من القهوة والتمر أما التمر فمعلوم أنه من السنة، وأما القهوة التي تغنى بها الشعراء وفاخر بها أهل الكرم حتى أضحت رمزاً له فلها منذ اكتشافها تاريخ ثقافي عجيب في العالم العربي الإسلامي ألفت فيه المؤلفات العديدة فهي تفوق غيرها من المشروبات ربما إلى الوقت الحاضر فلا لوم بعد ذلك على الشاعر النبطي حين قال: أشرب الفنجال وأكب البيالة طيّبٍ وأحب سلم الطيبيني وبين يدي كتاب من إصدارات جداول 2012م عنوانه:(من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي) لمحمد الأرناؤوط استعرض فيه الموقف الفقهي والأدبي من القهوة وأثرها الاجتماعي في العالم العربي والإسلامي ومما جاء فيه أنه قد أشهر النداء في مكةالمكرمة في يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 917ه بالمنع من تعاطيها بعد أن اجتمع العلماء والأطباء وقرروا حرمتها بسبب ضررها وسطروا محضراً بذلك أرسلوه إلى السلطان قانصوه الغوري في القاهرة !!وكتب القاضي نجم الدين بن عبدالوهاب المالكي في آخر ذلك المحضر كما أورده الجزيري في عمدة الصفوة :"الحمدلله العادل في قضائه، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، والطف بنا في كل حركة وسكون ، ونعوذ بالله من قول الزور والتعاطي بحرم الله أسباب الفجور، وقد شهد عندي جماعة من الأعيان ذوي المعرفة والإتقان لإفسادها للأبدان، وبيّن ذلك غاية البيان، والأمر كما شرح فيه ، من غير شيء ينافيه" منذ ذلك التاريخ والاختلاف بين العلماء حاصل في حكم القهوة في أنحاء العالم الإسلامي واستمر السجال بين المؤيدين والمعارضين فترة من الزمن في فترة تمنع وفي فترة يسمح بها، وقد منعها السلطان سليمان القانوني في سنة 953ه ثم عاد الناس إليها بعد وفاته، وفيما كان الناس يظنون في آخر القرن العاشر أن المسألة حسمت لصالح أنصار القهوة كما عبر عنه الشاعر المصري إبراهيم بن المبلط (ت991ه): أرى قهوة البن في عصرنا على شربها الناس قد أجمعوا إلا أن السلطان العثماني مراد الرابع (ت1049ه) بادر بصورة مفاجئة إلى تحريم القهوة بل وأعدم بعض الأشخاص الذين تجاهلوا المنع!! هل نتذكر هنا حكاية شرب الفناجيل عند البادية التي تؤدي إلى موت الفرسان أيضاً!! إلا أن ثورة القهوة انتصرت في النهاية ولم يعد بالإمكان كبحها بأوامر سلطانية فانتشرت لتصبح المشروب المفضل في العالم العربي الإسلامي، حتى ظلت لها خصوصيتها المميزة في الجزيرة العربية عموماً فتجذرت لها طقوس معينة وظهرت لها أوانيها الخاصة وفيما كان سبب تحريم القهوة في الماضي هو ارتباطها بأهل الفسوق والعصيان واجتماعاتهم المشبوهة!! فقد اقترنت بها الأشعار النبطية الرائعة التي جعلتها (كيفاً) للرجال الطيبين وحدهم والأمثلة كثيرة منها قال ابن هذال: نبيه كيفٍ للنشاما عن اللاش واللاش لا فاقد ولا هوب مفقود وقد لاحظت في كتاب الأرناؤوط اختلافاً فيما نقله من مخطوطة الجزيري (عمدة الصفوة في حل القهوة) عما جاء في طبعة الكتاب التي حققها عبدالله الحبشي على أكثر من مخطوطة وصدرت عن المجمع الثقافي في أبوظبي سنة 1428ه/2007م وخاصة في تواريخ الأحداث فلعله يراجع ذلك في الطبعة القادمة للكتاب.