قد أكون أحلم، ولكن الأحلام قد تصدق، ولو في بعض أجزائها. لدينا في المملكة هيئات ومؤسسات رقابية كثيرة (هيئة الرقابة والتحقيق، ديوان المراقبة العامة، هيئة مكافحة الفساد) وغيرها كثير من الإدارات داخل القطاعات، والتي تسند إليها الأعمال الرقابية والتحري عن المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية. المعروف أن المراقبة والتحقيق ومكافحة الفساد تأتي نتيجة تجاوزات حصلت على مستوى الأفراد، أو الهيئات والمؤسسات العامة والخاصة، وبالتالي تولدت الحاجة إلى من يتحرى عنها ويتابعها ويوقفها عند حدها في ظل أنظمة ولوائح وصلاحيات تحدد آليات العمل في كل جهاز، ويطلب من الجميع الالتزام بها، ويتم التأكيد على أن من يخالفها سيكون عرضة للمساءلة والعقاب في حال ثبوت التجاوز أو القصور. نحن في المقام الأول مؤتمنون على أعمالنا وعلى ما تحت أيدينا من أموال، أو حقوق للآخرين مهما كان نوعها، وبموجب هذا مطالبون بأن نؤدي كل ما علينا بأمانة وإخلاص، وهو ما يأمرنا به القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع. ولا ننسى في هذا السياق ما يمليه علينا واجب الولاء والانتماء للوطن والقيادة، ومسؤوليتنا الاجتماعية والأخلاقية. لا نريد أن ندع المجال ليأتي إلينا سائل يقول: لماذا خالفتم؟ ولماذا تقاعستم عن أداء المهام الموكلة إليكم؟ أو لماذا خنتم الأمانة وحصلتم على أشياء، أو أموال ليست من حقكم؟ أنت أيها الموظف، أو العامل في أي قطاع، ومهما كانت درجتك أو مَرْتبتك لو قمت بأداء عملك بما يرضي الله، وبما تمليه عليك الأنظمة والتعليمات لما احتجنا أن نرسل إليك من يتحرى ويحقق، ويوجه إليك اللوم على تقصيرك. أنت بفعلتك كنت أحد الاسباب الرئيسة في إنشاء هذا الكم الهائل من الهيئات والمؤسسات والإدارات الرقابية. أنتم (أيها المقصرون) من أوجد الحاجة إلى من يراقب ويتساءل، ولولاكم لتقلصت الجهات الرقابية وقلت أعداد منسوبيها لأنه لا عمل لها ولا مهام تقوم بها في ظل بيئة صحية يؤدي كل فرد فيها ما هو مطلوب منه على الوجه الأكمل. هل نحن فعلاً بحاجة لمن يقول لنا (لا للتقاعس.. لا للفساد.. لا لأكل أموال الناس بالباطل..). في مقال سابق له وجّه الزميل علي موسى في صحيفة الوطن اللوم لهيئة الفساد على رسائلها التوعوية تجاه الفساد وضرورة مكافحته. وأنا هنا أقول (وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) فربما أخذت البعض مشاغل الحياة وزين له الشيطان سوء عمله فاستمرأ ارتكاب المخالفة تلو الأخرى، وهو في هذه الحالة يحتاج إلى من يذكره ويقول له: إلى أين أنت ذاهب؟ فمن سار في الطريق الخطأ لا بد له وأن يقع. لا للمزيد من الأنشطة والهيئات الرقابية متى ما أدرك الواحد منا مسؤوليته وسار على نهج مستقيم مستمد من الشريعة الإسلامية الغراء، ومن الأسس والقواعد التي قام عليها كيان هذا الوطن.