استشهاد فلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي جنوب الضفة الغربية    إغلاق ميناء نويبع البحري في مصر بسبب الأحوال الجوية    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يكرّم الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    نائب أمير الرياض يواسي رئيس مركز الحزم في وفاة والدته    «توكلنا» يحصد جائزة أفضل تطبيق حكومي عربي    شركة طيران تنفذ نظاماً جديداً تجاه « البدناء»    موجز    رسائل اطمئنان    نائب أمير حائل يستعرض المشروعات البلدية والنقل    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله.. ويعلن انضمام أمانة الرياض لعضوية المنظمة العالمية "ISOCARP"    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. "التخصصات الصحية" تحتفي ب 12,591 خريجًا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    حماس توافق على لجنة «تكنوقراط»    فلسطين ترحب ببيان الدول العربية والإسلامية الرافض للتهجير    رغم الانتقادات التي تضمنتها «الوثيقة الأمريكية».. واشنطن الحليف الأكبر لأوروبا    التعادل يحسم مواجهة مصر والإمارات    الأردن يعبر الكويت ويتأهل لربع نهائي كأس العرب    في المجموعة الرابعة بكأس العرب.. العراق يتأهل ومنتخب الجزائر يقترب بخماسية البحرين    الفيفا يعتذر لسكالوني بعد إلزامه بارتداء قفازات لحمل كأس العالم    يزن النعيمات: عيننا على اللقب    القيادة تهنئ رئيس فنلندا بذكرى استقلال بلاده    البلوي يحتفل بزواج سامي    موظف يسرق ذهب محكمة إسطنبول    صليب العتيبي في ذمة الله    "عطاء وطن" يجمع طلاب الطائف في احتفاء التطوع    يسرا اللوزي تستعد بمسلسلين لرمضان    إعلان العروض المسرحية لمهرجان الرياض    إطلاق استوديوهات بلاي ميكر في القدية    تتم عبر تصريح «نسك» للرجال والنساء.. تحديد زيارة الروضة الشريفة ب«مرة» سنوياً    "التخصصي للعيون" يفوز بجائزة أفضل مشروع حكومي عربي لتطوير القطاع الصحي    مجمع الدكتور سليمان الحبيب الطبي بالعليا يستخرج شظية معدنية من قاع جمجمة بعملية منظار دقيقة    27.6% زيادة في استهلاك الغاز الطبيعي في المملكة    فيضانات تكساس: تسجيلات الطوارئ تكشف حجم الأزمة    الذهب ينهي أسبوعا متقلبا بارتفاع طفيف    أغاني فيروز تغرم مقهى    جلسات سوق البحر الأحمر تناقش مستقبل صناعة السينما    هجوم على روضة يفتح ملف استهداف المدنيين في السودان    التماسيح تثير الرعب في قرية مصرية    6886 شخصا يعانون من الصداع ومكة تسيطر ب39%    «نور الرياض» يختتم نسخته الخامسة بحضور ملايين الزوار و12 جائزة عالمية    اليوم العالمي للإعاقة مسؤولية وطنية وشراكة إنسانية    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    عبدالله البسّام.. جيرةُ بيتٍ ورفقةُ عمر    تكلفة العلاج السلوكي المعرفي    فريق أنامل العطاء يطلق مبادرة "تطوّعك يبني مستقبلك" في احتفال رسمي باليوم العالمي للتطوع    جمعية أرفى تُقيم فعالية "قوتك وقايتك" بمناسبة اليوم العالمي للإعاقة    الأخضر يبدأ تحضيراته لمواجهة المغرب في كأس العرب    ضبط (4) يمنيين في عسير لتهريبهم (20) كجم "قات"    انطلاق مهرجان المونودراما وسط رؤية طموحة لتميز المسرح السعودي    كتاب سعودي يحصد اعتراف عربي في مجال الصحافة الاقتصادية    سالم الدوسري: كأس العرب هدفنا الحالي    رئيس البرلمان المقدوني يستقبل إمام المسجد الحرام الدكتور المعيقلي    أكثر من (39) ألف مهمة تطوعية و(19) ألف متطوع في الحرمين الشريفين خلال عام 2025    ترابط الشرقية تحتفي بمتطوعيها في يوم التطوع السعودي العالمي    مدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنجران يلتقي مدير التعليم بالمنطقة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي الدفاع الجوي بجازان    أمير منطقة جازان يؤدى واجب العزاء والمواساة لإبراهيم بن صالح هملان أحد أفراد الحماية (الأمن) في وفاة شقيقته    التوصل لإنتاج دواء جديد لعلاج مرض باركنسون "الشلل الرعاش"    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثابت والمتحول
نشر في الرياض يوم 28 - 06 - 2005

العقل العربي صنيعة الثقافة العربية فهي التي ميزته عن غيره وحررته بصفته طريقة عقلانية «ليس بالضرورة أننا نعني بها العقلانية بالمعنى العلمي» مستقلة عن غيرها بمثالبها ومزاياها، وهذه الثقافة العربية التي أسست ذلك العقل الذي اعتمد في نظرته الأيبيستيمولوجية «طريقة اكتسابه وتأسيسه للمعرفة» على اللامعقولية أو على العقل المستقيل من الموروث القديم بتعبير الدكتورمحمد عابد الجابري تبدو هي الأخرى ربيبة ثقافات أخرى يأتي الموروث القديم أو ما يعبرعنه القدماء ب «علوم الأوائل» على رأسها، وبالتالي فقد أصبحت المؤطرات الأيبيستيمولوجية لتلك العلوم عاملاً أساسياً في تكوين الثقافة العربية وفيما بعد في تكوين بنية العقل العربي.
من ضمن علوم الأوائل أوالموروث القديم التي كان لها دور حاسم في تأسيس الثقافة العربية أوبشكل أكثر تحديداً تأسيس نظريتها الأيبيستيمولوجية «طريقة إنتاج المعرفة فيها» كانت العلوم الهرمسية، وهي كما يشيرالجابري نتاج تيار فكري ديني برز في الأسكندرية في القرنين الثاني والثالث للميلاد، يقوم على نظرية وحدة الكون والترابط بين أجزائه تماماً التي تتبادل التأثير فيما بينها بالتجاذب والتنافر، بحيث أن ترابط أجزاء الكون يتشابه تماماً مع ترابط أعضاء الجسم الإنساني، فما دامت أعضاء الجسم البشري تتبادل التأثيرفيما بينها «إذا اشتكى منه عضو تداعى له عضو آخر» فكذلك تفعل أعضاء الجسم الكوني الطبيعي «من أبراج وأفلاك ونجوم وأقماروعلوم وغيرها» ومن جانب آخرفالتعاليم الهرمسية تعتبر أن النفس الإنسانية ما هي إلا نفحة إلهية روحانية في جسم مادي ، وبالتالي فكما أن النفس هي المسؤولة عن ضخ الحياة في الجسم كنفحة روحانية إلهية فكذلك الكون تسري فيه نفحة روحانية إلهية، ومن خلال هذا الترابط القائم على وحدة الكون وترابط أجزائه بنوا فلسفة العلوم الخاصة بهم «بما فيها العلوم الطبيعية» وجعلوها تتأثر جذباً وتنافراً مع أجزاء الكون الأخرى بصفتها « أي العلوم الطبيعية» أجزاء أخرى من أجزاء الكون الواسع، ويلخصون نظريتهم تلك بمبدأ مشهور عندهم هو «ما من طبيعة إلا هي مجذوبة بطبيعة أخرى وما من طبيعة إلا وهي مقهورة لطبيعة أخرى وما من طبيعة إلا وهي تهيمن على طبيعة أخرى» وعلى هذا الأساس انبنت طبيعة الكيمياء لديهم مثلاً الذي خلصت نظرياته أنه لكي يتم الحصول على معدن راق كالذهب فلا بد من تخليصه من طبائعه الدنيا والتي يعبر عنها بالمعادن الخسيسة التي تستحوذ عليه ويكون ذلك باستعمال طبيعة أقوى تسمى «الإكسير» تقوم بعملية التطهيروالتحويل لإنتاج الذهب كمعدن نفيس .
ما يمكن عمله على مستوى الكون الكبير «الطبيعة» يمكن عمله أيضاً على مستوى عالم الإنسان، فالنفس تصدأ وتتغلب عليها الطبائع الحيوانية الشهوانية نتيجة ارتباطها بالجسم المادي الذي يؤدي نفس دور المعادن الرخيصة التي تلصق بالمعادن الراقية، غير أنه يمكن صقل النفس وتهذيبها بتطهيرها هي الأخرى من الدنس المادي الذي يسببه ارتباطها بالجسم ومن ثم فلا بد من صنعة أخرى تخلصها من ماديتها على غرار ما تم عمله كيميائياً بالنسبة للمعادن ، ويتم ذلك بترويض النفس على الانقطاع والتبتل والزهد في الملذات الدنيوية والشهوات الحيوانية والجاذبيات الجسمية حتى تتحرر النفس تماماً من كل تلك الأدران بما يحقق لها رجوعها إلى أصلها الإلهي «وهي عملية التطهيرالخاصة بالإنسان» تماماً كما جرى الأمر بالنسبة للتطهيرالطبيعي، ومن هنا نشأ كما يقول الجابري ذلك الترابط الوثيق بين الكيمياء« ممثلاً للطبيعة أو الكون» وبين عمليات الانقطاع والتبتل والتزهيد في الملذات في الأدبيات الهرمسية، وهوترابط يعكس إحدى أهم صفات أو خصائص ذلك التيارالفكري وهي ما يعرف ب «دمج العلم في الدين».
تجدرالإشارة هنا إلى أول من فك الارتباط بين العلم والدين باعتبارأن العلم متغيروالدين ثابت هم الإغريق، وهوفك يهدف إلى تمييزالأمور التي يمكن معرفتها عن طريق المعرفة العقلانية التأملية لنظام الطبيعة كما هو، أي معرفة السنن الكونية ومن ثم الاهتداء إلى معرفة مخرجاتها وطريقة عملها وكيفية التعامل معها، عن تلك الأمور التي يرجع أمرها إلى الله وحده كعلم الآخرة ، أما في النظرية الهرمسية فقد اختلط الأمران معاً وصارا شيئاً واحداً، وعن طريق تلك التعاليم الهرمسية انتقلت نفس الفكرة إلى الثقافة العربية التي تأثرت بالتعاليم الهرمسية إلى حد بعيد - من بعد عصر التدوين خاصة - وأصبح العلم والدين مدموجين في إطار واحد وهودمج له أثره فيما بعد على العقل العربي الذي أصبح يضطر إلى البحث عن أصل ديني لكل نظرية علمية جديدة أو منتج دنيوي جديد، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تنبه لمثل هذا الخلط المتوقع فأرشد أمته إلى أنهم «أعلم بشؤون دنياهم» في إشارة صريحة وحاسمة إلى ضرورة تبني النظرة العقلية المجردة التي تعتمد الحس والتأمل والتجربة عند التعامل مع سنن الطبيعة عكس الأمورالتي وُكِل أمرها إلى الله تعالى بقصورإمكانات العقل عنها مثل علوم الآخرة والبعث والنشور والحساب، وعن طريق ذلك التأثير لعلوم الأوائل «الهرمسية خاصة» نشأت ما يعبرعنها في العصر الحاضر بنظريات الإعجازالعلمي، وهي في رأيي خلط واضح بين الدين كثابت لا يتغير بتغيرالزمان والمكان والعلم كمتغير مستمر، فعلوم الدين المقطوع بها ثبوتاً ودلالة ثابتة وغير قابلة للتغير أو التغيير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أما نظريات العلم الطبيعي فهي في حركة مستمرة وتغيرسريع وهي قائمة على الترجيح القائم بدوره على ظروف الزمان والمكان، ومن ثم فما يثبت من نظرياته اليوم قد يتم نفيها غداً أو يجري تعديلها وتطويرها تبعاً لظروف التطورات الزمانية والمكانية، وبالتالي فإن الفصل الذي أقامه الإغريق منذ ما قبل سقراط ما بين نظريات العلم المتغيرة وقواعد الدين الثابتة عاد الإسلام فأكده بالفصل الذي أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم بين علوم الدنيا والدين بتأكيده على أن الناس أعلم وأدرى بشؤون دنياهم، وهوفصل يجب أن يُنظرله بجدية - خاصة إذا نُظر إلى الأساس الذي يقوم عليه والنتائج التي يتمخض عنها - من قبل من يتصدون حالياً لما يصفونه بالإعجاز العلمي، خاصة وأن عملية الدمج التي تمخضت بالضرورة عن القول بالإعجازلم تكن في الأساس حقيقة دينية ثابتة بقدر ما أنها مُكوِّن ثقافي عربي ألحقته بها معطيات الموروث القديم.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.