لا يكتفي المسعدي باستجلاب المفردات الكتابية المعبرة عن القوة، ولكن تتخلق لديه نزعة الرد بالكتابة كما يرد في عنوان كتاب (بيل أشكروفت) وزميليه، لذا يظهر في حوارات المسعدي إشارات متعددة تركز على أولئك الأساتذة دون تسميتهم، ومن ذلك قوله: "لما عدت من أوروبا كان هدفي هو بعث الثقافة العربية والتعريف بالأدب العربي ردًا على الفرنسيين الذي يروجون الأباطيل عنها، فيؤكدون أنه لا أدب لنا فالأدب الجيد والثقافة الإنسانية لا توجد إلا في فرنسا... فقد درسنا على أستاذ فرنسي في المعهد الصادقي الأدب الفرنسي وأعترف أن دروسه كانت رائعة وراقية .... لكن هذا الأستاذ كان يقول لنا صباح مساء بأن الأدب العظيم لا يوجد إلا عندنا في فرنسا، وكان يكرر على مسامعنا القولة الاستعمارية الشهيرة بأن الفرنسيين جاؤوا إلى تونس لينشروا فيها الحضارة، ويعلمونا بما أننا متخلفون ولا ثقافة لنا". ويتجاوز ذلك في بعض حواراته ليسمي بعض الأساتذة المتحيزين:"في السوربون درست على يدي أستاذ يدعى قودفروا ديممبيين ...كان يقول لنا بان الأدب الفرنسي ليس عبارات جميلة مكررة، لم أكن أتحمل ما يقوله، فهو يصر على حصر الأدب العربي في الزخرف والهواية". ويجتاز المسعدي المستوى الفردي إلى خلق تمثيلات جمعية لتحدد الموقف من الآخر في هذا الإطار "كنت أشعر بأني أواجه تحديًا يمكن أن يتلخص في أني كنت مهددًا في كياني بوصفي تونسيًا وعربيًا، وقد تأكد هذا من خلال اختلافي إلى المدرسة الفرنسية وتعلمي من الأساتذة الفرنسيين، وكل ما كانوا يقولون من أن "العرب لا وجود لهم" و"العرب شعوب متخلفة" و"الحضارة التي تنسب إليهم لا قيمة لها، و"كل ماله قيمة وما يستحق الحياة والتقدير إنما هي الثقافة الغربية وكل ما عدا ذلك فمحتقر" ... كنت أشعر بأن هذا ظلم وضيم، وبأننا نحن كعرب وكتونسيين، نستحق الحياة ونستحق الاحترام والتقدير كغيرنا من البشر، وأننا لسنا ناقصين". ويصل هذا الدفاع إلى درجة خلخلة الرؤية الجمعية المشككة بشك مماثل، أو بيقين صارم "....لكن فرنسا لا تفعل شيئا آنذاك دون أن يكون مغشوشًا فقد ربطت هذا المعهد بالتعليم العالي الفرنسي". يتحول الدفاع إلى القوة والمقصد الأساسي من اختيار أطروحته هو الدفاع عن الأدب العربي وإبراز ما فيه من قيم ثابتة، وقيم متحركة، إذ كانوا يقيمون الدليل على أن الثقافة العربية ميتة فأقام لهم الدليل على حياتها وجمالها. يصل المسعدي بعد كل هذه المراحل إلى مرحلة تتمثل في محاولة تفكيك الاستعمار، فيبرز ذلك التفكيك في قوله: "كان الاستعمار خصوصًا في بلداننا يسعى إلى الحكم على ثقافتنا أو على ذاتنا الثقافية بالزوال، كما حاول ذلك في تونس والمغرب والجزائر... ولقد كان يراد من هذه العملية أن يصبح التونسي فرنسيًا ويدمج بالجنسية والهوية الفرنسيتين. لقد أرادوا تجنيسنا ثقافيًا حتى ننسى ثقافتنا وحضارتنا وننتسب إلى الحضارة الغربية والفرنسية". ثم يبدأ المسعدي في خلق استراتيجيات للعمل الوطني الناجع في مقاومة الاستعمار، حين يرى أن البلية الكبرى تكمن في أننا صرنا نتصور مسؤولية الثقافة بحسب ما يمليه علينا هذا الأنموذج الغربي من الخارج، فنحن ما زلنا نستورد كل شيء، ونتصور بأن أحسن ما يمكن أن نصوغ وننظم به مؤسساتنا الاقتصادية والاجتماعية وفقا لما أخذناه من الغير، ويستمر في دحض الدعاوى الفرنسية، ومن ذلك قضية العامية، إذ ان نشر العامية كلغة مكتوبة يعد قضية استعمارية قديمة وكان من المحركين لها وليام مارسي ... الذي كان وراء الحملة مع المرحوم عبدالرحمن قيقة من قرية تكرونة حيث بقيت بقايا من اللغة البربرية، وبالتأكيد لم تكن هذه الثيمات التي تناولها المسعدي مستوفية لشروط الرد بالكتابة، إذ إنه تناول موضوع منظمة اليونسكو وكونها محايدة أو ضدية، وموضوع مكافحة الاستعمار، ورؤيته للمتفرنسين. تتوافق رؤية المسعدي حول الآخر مع بعض ما تناوله كثير من المفكرين العرب في أطروحاتهم الفكرية حول الآخر، ولاسيما من اعتمدوا في أطروحاتهم الفكرية على المنهج الخطي، كما يقترح وجيه فانوس، منذ مالك بن نبي الذي يحدد سبب الانحطاط في العالم الإسلامي إلى القابلية للاستعمار، ويوازي ذلك المنهج الخطي منهج اختطه الذين يستندون على المنهج الشبكي المنظومي كإدوارد سعيد وبرهان غليون، وهما قد اعتمدا على منهج يقوم على "مقولة أساس، مفادها أنَّ تجربة العيش لا يمكن أن تنتظم من خلال مسار واحد، بل هي جماع عدد من المسارات المتعاونة والمتكاملة فيما بينها، فالأنا" لا يمكن أن تكون إلاَّ ب"الآخر"، كما أنَّ "الآخر" لا يمكن أن يكون إلاَّ ب"الأنا." كان المنهج الخطي رفيقًا للمسعدي في تناوله الحوار مع الآخر، وهو منهج يبدو لي ملائمًا للمرحلة، إذ نجح المسعدي في محاولة خلق الشخصية التونسية الثقافية في إطارها الجديد، وكان التمرد الأجناسي الذي مارسه إبداعًا بوصفه نوعًا من أنواع الحوار مع العربي وتراثه، وتبقى مسألة مهمة تنبغي الإشارة إليها وهي المتصلة باختلاف درجة الوعي لديه من مرحلة وأخرى، إذ كان ذلك عاملًا مؤثرًا جدًا في تشكيل رؤيته ومواقفه تجاه الآخر، وتشي تلك المراحل بمناسبتها وقبولها لتحليل نقدي إضافي.