ما بين جود وجود، وكرم يتلوه كرم يتألق شهر رمضان بالعطاء والبذل والصدقات تتتابع، والزكوات تظهر، قليلها وكثيرها.. سلال غذاء وفرحة عيد، وعلاج مريض وتبرع هنا وهناك، يتسابق المسلمون لفعل الخيرات. هو شيء جميل جدا، ومنتهى الجمال روح التعاون والإخاء في هذا الشهر الكريم.. هذا الكم الكبير من العطاء، ومن الموائد ومن الصدقات، تعيش الفقير شهرا طيبا مستمتعا يصوم وهو مطمئن لفطوره ولسحوره، وليوم بكره وبعده. ماذا عما بعد العيد، وماذا عن السنة بأكملها..؟ كل يريد الرحمة والثواب في شهر الخير، لكن الأيام الأخر هي تحتاج أيضا، وتوزيع الزكوات والصدقات على مدى العام شيء جميل يتيح للفقير العيش بكفاف على الأقل. ولكن أيضا، العيش على الكفاف لا يعني الراحة وانتظار الأيدي الممدودة لا تبقي الكرامة، لذا قد نمنح اليوم ولكن لا تستطيع ذلك غدا، وقديما قيل المثل الشعبي (من عشاه على الناس ما تعشى).. تطالعنا الصحف ما بين وقت وآخر بأخبار العثور على أسر في بيوت متهالكة أو تعيش في خيام، أو تستظل في حديقة.. أو تحت جسر، وتسهب بالكلام عن ذلك، وتتسول الهمم لإنقاذ الأسرة هذه أو تلك. ومن ثم يخرج لنا الكريم من هنا وهناك، فاعل خير يتكفل أو أمير أو غني من أغنياء البلد، وهذا شيء جميل وصورة مثلى للتكافل الاجتماعي. هذه الأسر عثرت عليها الصحافة فجأة أو رآها أحد ما ووضعها ضمن مواقع التواصل الاجتماعي الالكتروني ووصلت، واستفادت، ولا ندري بالطبع عن المتابعة شيء. ولا ندري كم من الأسر تعيش عيشة صعبة وبظروف سيئة، لا يصلها أحد.. الطبقة الوسطى بدأت تتآكل، وهي المفروض تمثل النسبة الأعلى في العدد. أسر غير مدينة، تعيش بدخل يكفها الحياة العادية، في منزل ملك لها.. دخلها يتوازن مع مصروفها مع هامش توفير يمثل ما بين 5 إلى 10% من الدخل. لكن عندما تم عمل دراسة ميدانية للمواطنين ممن يملكون منازل تبين أن العدد قليل، بمعنى أن الغالبية لا يستطيعون ذلك.. والأمر الأكثر سوءًا أن الكثير من المتقاعدين لا يملكون سكنا أيضا.. وإذا حسبنا أن موظفي الدولة ومن رواتهم تتجاوز التسعة آلاف ريال لا يستطيعون شراء منازل، كما أن شروط البنوك تعجيزية، فيكون لدينا رجال وصلوا للأربعين ولا يملكون سكنا. عندما نقيس على ذلك الطبقة دون المتوسطة، وهي درجات سنجد أن الأمر أشد قسوة، وكلما نزلنا درجة وجدنا الأمر يستفحل أكثر بحيث صار لدينا كم من العائلات تعتمد على المساعدات والديون التي لا يمكن أن تستوفى بحال من الأحوال. تكبر الطبقة الفقيرة وتتمدد على حساب الطبقة الوسطى، التي تكاد تضمحل فيكون لدينا طبقة متصدقة، يد عليا وطبقة فقيرة يد سفلى.. بين هذه وهذه فئة تحاول التسلق للطبقة الغنية، أو تنزل للفقيرة. وأعود لنقطة البداية، إذا كان شهر رمضان شهر الإحسان والصدقات، فخير دائم أفضل من خير متقطع، وعمل منتج خير من انتظار الصدقة. إذا تكفل كل من الدولة - وهذا من أهم واجباتها - والطبقة الغنية بالانتقال من العطاء إلى توفير العمل كل حسب جهده وطاقته.. ومما أذكره أني كتبت في عام 1979 مقالات في جريدة اليوم، عن توفير أكشاك لمحتاجي الضمان الاجتماعي توفر عليهم ذل انتظار الإعانة. إن توفير أعمال بسيطة وسهلة مع تنظيم دورات لشباب الأسر الفقيرة تنجيهم من انتظار الصدقة للكسب بكرامة. رمضان كريم ومن كرمه أن يكون لكل يد صنعتها، فتنتقل من الحاجة إلى التوفير.. ويكون كرم رمضان متواصلا ومتوالدا..