يتعرض الصومال لخطر موجة جديدة من المجاعة، قد تودي بحياة ألاف الناس، خاصة الأطفال والنساء. وقد بات هذا الخطر محدقاً وداهماً، يتطلب تحركاً فورياً ومنسقاً من كافة الهيئات الإنسانية، والقوى الحية في هذا العالم. وامتد خطر المجاعة المحدقة من جنوب الصومال إلى شماله، حيث باتت "جمهورية أرض الصومال"، تواجه هي الأخرى وضعاً مماثلاً لما يشهده الصومال ذاته. تقول إحدى السيدات، من مخيم للنازحين في مقديشو: "ليس لديّ القدرة على العودة إلى قريتي لأنها لا تزال منكوبة. كما أنني لا أطيق العيش في هذا المخيم. وأطفالي يعانون الجوع. وشهر رمضان على الأبواب. وربنا كريم". وقالت الأممالمتحدة، في بيان تحذيري، أنه ينبغي زيادة المساعدات الإنسانية التي يتم منحها إلى الصومال، حيث من المتوقع أن يتواصل احتياج أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلى الدعم الغذائي، طوال الأشهر الستة، الممتدة من حزيران يونيو إلى كانون الأول ديسمبر 2012. ومن ناحيتها، دعت منظمة "سيف ذي تشيلدرن" البريطانية إلى "زيادة عاجلة" في المعونات المقدمة إلى الصومال، حيث لا تزال الكثير من العائلات غير قادرة على مواجهة تداعيات الجفاف الذي ضرب البلاد. وكانت المنظمة قد أطلقت، هي الأخرى، تحذيراً قالت فيه: إن أزمة العام الماضي تركت عدداً كبيراً من الأسر الصومالية تعاني عدم القدرة على التكيف مع آثار الجفاف. وأن نحو مليون ونصف نازح صومالي "سوف يدفعون ثمن أزمة جديدة لاحتياجهم إلى محاصيل زراعية جيدة، تحول دون ارتفاع أسعار السلع الغذائية". وبدوره، قال الممثل السامي للاتحاد الأفريقي لدى الصومال، جون جيري رولينغز، أن تسعة ملايين ونصف المليون شخص لا يزالون يواجهون خطر المجاعة في منطقة القرن الأفريقي. وتتزامن هذه النداءات مع تحذيرات من أزمة غذاء عالمية تلوح في الأفق. وقالت صحيفة "فايننشال تايمز"، الصادرة في العشرين من تموز يوليو 2012، أن أسعار الذرة وفول الصويا سجلت مستويات قياسية في 19 تموز يوليو، متجاوزة ذروة أزمة عامي 2007 و2008 التي أثارت اضطرابات غذائية في أكثر من ثلاثين بلد. وقالت الصحيفة أنه على الرغم من أن أسعار القمح لم تبلغ مستويات قياسية حتى الآن، فإنها ارتفعت لأكثر من خمسين سنتا في خمسة أسابيع، متجاوزة الأسعار التي بلغتها في أعقاب حظر الصادرات الروسية عام 2010. وقال المدير العام لمنظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة ( الفاو)، خوسيه غرازيانو دا سيلفا: "أنا قلق بالتأكيد بشأن الارتفاعات الأخيرة في أسعار السلع الغذائية، نظراً لآثارها المحتملة خاصة على المستضعفين والفقراء، الذين ينفقون ما يصل إلى 75% من دخلهم على الغذاء". وقال المدير التنفيذي لمؤسسة "سيف ذي تشيلدرن"، جستين فورسيث: إن ارتفاع الأسعار لا يزال من المرجح أن يكون له تأثير بالغ على أكثر الشعوب فقرا في العالم. وهناك أعداد كبيرة من البشر يعيشون على الحافة. والأمطار الضعيفة وأسعار الغذاء العالية مالت بكثير من الناس إلى الحافة، وانتقلوا من كونهم قادرين على التصدي إلى عدم القدرة على التعامل مع الوضع. وفي العام الماضي، ضربت منطقة شرقي أفريقيا إحدى أسوأ موجات الجفاف خلال العقود الستة الماضية، مما أدى إلى وفاة أعداد هائلة من الصوماليين نتيجة الجوع والعطش. وبالنسبة للصومال تحديداً، لازال ثلث السكان في جنوب البلاد يعيشون أزمة غذائية كبيرة، وليست لديهم القدرة على تلبية احتياجاتهم الأساسية. وذلك وفق ما أعلنته وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية، التابعة لمنظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة، وشبكة أنظمة الإنذار المبكر للمجاعة، التابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وأفادت التقارير الدولية بأن الاحتياجات الغذائية تتزايد في المناطق الزراعية والرعوية، في وسط جنوب الصومال، بسبب قلة الأمطار في موسم الربيع الماضي. وحيث تُعد أمطار هذا الموسم المعروف ب "جو" مسؤولة عن نمو 60 إلى 70% من محاصيل الحبوب في الصومال. وقالت وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية، في تقريرها الأخير، أن "حالة الأمن الغذائي سوف تتدهور في المناطق الزراعية والرعوية في الجنوب، حيث يشير انخفاض هطول الأمطار في موسم "جو" إلى نقص لا مفر منه في المحاصيل الزراعية. ووفقاً لما ذكره التقرير، فإنه بالرغم من تحسن المشهد في بعض المجالات إلا أن استمرار الدعم الإنساني له أهمية قصوى، وخاصةً في سياق "حالة التغذية الحرجة جداً"، السائدة في جنوب الصومال، والتي من المتوقع أن تظل على ما هي عليه في معظم أجزاء الإقليم. وأضاف التقرير: أنه من المرجح أن يظل العدد الإجمالي للأشخاص الذين يعانون من أزمة الأمن الغذائي ثابتاً في النصف الثاني من هذا العام. وقد تفاقمت أزمة الغذاء، والوضع الصحي والإنساني عامة، مع نزوح مئات العائلات من قرى مقاطعة بلعاد في منطقة شبيلي الوسطى، في أعقاب القتال الذي وقع في حزيران يونيو الماضي بين قوات الاتحاد الأفريقي والحكومة الصومالية من جهة وقوات حركة الشباب من جهة أخرى. وتقع بلعاد على بعد حوالي 40 كيلومتراً شمال غرب مقديشو. وتفيد التقارير الدولية أن حوالي 560 من أصل 1000 عائلة شردتها الحرب في هذه المقاطعة، وصلت إلى مقديشو. وإن هذه العائلات بحاجة إلى "الغذاء والمأوى والمواد غير الغذائية". ويهدد النزاع الدائر في مختلف مناطق البلاد، المحصول الزراعي مما قد يزيد من أزمة الغذاء. ويتوقع مسؤولون حكوميون حدوث موجة نزوح جماعية جديدة، من مناطق جنوبي الصومال، باتجاه المخيمات المحيطة بالعاصمة مقديشو. وتلك الموجودة في المناطق الحدودية مع الدول المجاورة. ويؤكد عبدالله جمعالي، رئيس هيئة إدارة الكوارث في الصومال، وجود مجاعة حقيقية في البلاد، و"هي تتفاقم يوما بعد يوم، ونرى الأمراض الناجمة عنها". ويتضاءل أمل النازحين إلى المخيمات بالعودة إلى مناطقهم، نظراً لعدم توفر وسائل العيش فيها، مما اضطر بعضهم للمكوث مخيماتهم، والتعايش مع الظروف الصعبة، لإبقاء عائلاتهم على قيد الحياة. وكانت موجة جفاف العام الماضي قد أسفرت عن نزوح مئات آلاف الصوماليين من المناطق الريفية. وعبر العديد منهم الحدود ليستقروا في معسكرات في كينيا وإثيوبيا المجاورتين. وتعد النسوة والأطفال الأكثر تضرراً من آثار الجفاف المستمرة حتى اليوم. وبعد أن تعذر توفر الحليب، لم تجد بعض السيدات غير الشاي لسدّ رمق أطفالهن الصغار. إضافة للوضع السائد في الصومال ذاته، تشير التقارير الواردة من "جمهورية أرض الصومال"، المعلنة من جانب واحد، بأن حوالي 120 ألف شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية طارئة. مستقبل مظلم في الصومال وقال بيان رئاسي في جمهورية أرض الصومال أن مناطق شاسعة من البلاد تعاني موجة جفاف، أدت إلى نفوق المواشي، ونزوح ما يقارب عشرين ألفاً من السكان. وهم يحتاجون إلى مساعدات غذائية وأدوية عاجلة، لإنقاذ أرواحهم، وأرواح ما تبقى من ماشيتهم. ووفقاً لنائب رئيس جمهورية أرض الصومال، عبدالرحمن الزيلعي، فإن موجة الجفاف والقحط الحالية هي الأسوأ والأشد، التي تتعرض لها البلاد منذ عقود. ورأى الزيلعي بأن حجم المعاناة الذي خلفه الجفاف يفوق الوصف "وما شاهدته خلال جولتي الأخيرة على الأرياف والقرى المتضررة لا يحتمل مزيداً من الانتظار. وإذا تأخرت الإغاثات العاجلة عن التوزيع، فإن الوضع الإنساني سيخرج عن السيطرة. وهناك حالات لنفوق المواشي. ونخشى أن تؤدي إلى تفشي الأمراض والأوبئة الفتّاكة". وتشمل المناطق الأكثر تضرراً في جمهورية أرض الصومال محليات آشا آدو، ولوغايا، وغاربا دادار، وورقة ذيقتا، التي تقع جميعها في إقليم سلال، حيث تم توزيع حوالي 450 طناً من المساعدات الغذائية التي وصلت مؤخراً من جيبوتي. وقد تجمع الناس في القرى بعد أن فقدوا كل ما يملكون من حيوانات خلال فترة الجفاف، التي دامت أربع سنوات. وهاجر الآلاف من الرعاة السابقين في الإقليم إلى مناطق مثل عبد القادر، وآشا آدو، وسل غال وهاريراد، التي كانت تحتوي على بعض مصادر المياه المتبقية. كذلك، تسبب الجفاف، المستمر منذ أربع سنوات، في وفاة الكثير من الأشخاص. ويعتقد أن نحو 500 أم لقين مصرعهنّ أثناء الولادة، لأنهن كنّ يعانين من سوء التغذية، كما مات نحو 1500 طفل بسبب سوء التغذية خلال هذه السنوات الأربع الماضية. وكان الأهالي في شمال الصومال قادرين في السابق على التكيف مع أوضاعهم من خلال مقايضة بعض مواشيهم مقابل الغذاء. أما اليوم، فحتى الأسر التي لديها بعض الماشية لا تستطيع شراء الغذاء بسبب ارتفاع الأسعار. وعلى المرء أن يبيع شاتين لشراء كيس من السكر من فئة 50 كيلوغراماً، يبلغ سعره 50 دولاراً. وقد أعربت وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية، التابعة للأمم المتحدة، عن قلقها حيال محنة رعاة الغنم أو الماعز، في أجزاء من "جمهورية أرض الصومال"، لم تشهد سقوط أمطار أو حظيت بأمطار قليلة. كما أدى فشل موسم أمطار "هيز" للمرة الثالثة على التوالي إلى هجرة أعداد كبيرة من الماشية إلى جبال غوليس القريبة. يقول حسين محمد هوغ، وزير الصحة في "جمهورية أرض الصومال": "يمكن أن نرى من بعيد الأطفال يركضون باتجاه الطريق ويلوحون بالزجاجات الفارغة، ويطلبون الماء والخبز أو البسكويت". ويشير هوغ إلى أن الأسر في المناطق الغربية، المتمثلة في غاربا دادار، وغارغارا باري، وغريسا، واوسولي، فقدت كل ما تملك من ثروة حيوانية، وأصبحت تفتقر للإمدادات الغذائية المنتظمة. وأضاف أن عائلات أخرى في منطقتي غارغارا وغريسا أصبحت تعتمد الآن على المواد الغذائية، المقدمة في إطار مبادرة الطعام مقابل العمل، التي أطلقها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وكذلك على الأموال التي أرسلها الصوماليون العاملون في الخارج. وتم تسجيل معدلات سوء تغذية مرتفعة بين النازحين داخلياً في "جمهورية أرض الصومال"، وفقاً لتحديث أصدره مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية هناك. كما تم تسجيل معدلات سوء تغذية حادة بلغت 20.3%. ومعدلات سوء تغذية حادة وشديدة بلغت 4.5% في كانون الأول ديسمبر الماضي، بينما تبلغ عتبة الطوارئ لسوء التغذية الحاد وسوء التغذية الحاد والشديد 15% و5% على التوالي. وقدم برنامج الأغذية العالمي في شباط فبراير الماضي مساعدات غذائية إلى حوالي 150 ألف شخص في "جمهورية أرض الصومال". وكان من بين هؤلاء ما يقرب من 38 ألف أم وطفل دون سن الخامسة. كذلك، يتلقى أكثر من 18 ألف شخص آخر حصصاً غذائية عائلية أو قسائم غذائية، في إطار برنامج التغذية التكميلية الموجهة، الذي يوفر علاجاً متخصصاً للأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من سوء التغذية، والنساء الحوامل والأمهات اللائي بعانين من سوء التغذية. وعلى الرغم من ذلك، يبقى نقص التمويل مشكلة أساسية تواجه المنظمات الإنسانية العاملة في الصومال، كما في مناطق أخرى في أفريقيا. وأقدم برنامج الأغذية العالمي، منذ الربيع الماضي، على تخفيض الحصص الغذائية للاجئين إلى النصف، في المخيمات القائمة في أربع دول إفريقية على الأقل، مشيراً إلى نقص في التمويل من الجهات المانحة. وقد تضرر من هذا التخفيض 16 ألف لاجئ في مخيم دزاليكا في مالاوي، أصبحوا يحصلون على نصف الحصص الغذائية منذ آذار مارس الماضي، في حين بدأ 120 ألف لاجئ آخرين في أوغندا في تلقي نصف الحصص الغذائية من الحبوب ابتداءً من أيار مايو. كذلك، شهد 100 ألف لاجئ آخرين في تنزانيا خفض حصصهم من الذرة بنسبة 50%، اعتباراً من حزيران الماضي. ومن المتوقع أن يتم في آب أغسطس خفض الحصص الغذائية لحوالي 54 ألف لاجئ يعيشون في رواندا، ما لم تتقدم الجهات المانحة بالمزيد من التمويل. على ضوء التطورات الراهنة، وفيما بدا تحركاً وقائياً منسقاً، يقوم برنامج الغذاء العالمي بمساعدة الاتحاد الإفريقي على إنشاء مؤسسة ( African Risk Capacity ) للاستجابة المبكرة والتأمين. وتهدف هذه المؤسسة إلى تقديم غطاء تأميني في حال وقوع تطورات كالجفاف الشديد. ومن خلال الربط ما بين دفع التأمين وخطط الاستجابة الفعالة، تهدف مؤسسة (ARC) لتقديم المساعدة للحكومات الإفريقية، للحد من الآثار السلبية للجفاف، والعمل على خفض الاعتماد على المساعدات الخارجية. وقالت مديرة المشروع جوانا سيروكا: "نحن ما زلنا في مرحلة التصميم. وإذا سارت الأمور بشكل جيد، نأمل في أن يتم إنشاء مؤسسة (ARC) في منتصف العام 2013، أوفي حدود هذا الموعد". وقد صُممت مؤسسة (ARC) على غرار هيئة تأمين مخاطر المناخ في منطقة الكاريبي. وهي مؤسسة لأنظمة التأمين تم إنشاؤها في العام 2007، ولا تهدف إلى الربح، وتضم افي عضويتها 16 من دول منطقة الكاريبي، حيث تقوم الدول الأعضاء بدفع أقساط منخفضة نسبياً، لكنها تحصل على أموال سريعة في حال تعرضها لزلزال أو إعصار. وعلى الرغم من ذلك، سوف يجري تعديل مؤسسة (ARC) لتعكس مقاربة الأحوال الجوية والأمن الغذائي في القارة الإفريقية، بحيث تجمع بين مفهوم التأمين والتخطيط للطوارئ، لمساعدة الدول الإفريقية التي ضربها الجفاف على ترجمة التعويضات إلى استجابات فعالة في التوقيت المناسب. يقول شادرك مافومو، رئيس إدارة المخاطر وبناء القدرات في (ARC): إن التحرك المبكر لمواجهة الجفاف يُمكن أن يؤدي إلى التوفير في التكاليف المباشرة على السلع والتجهيزات اللوجستية، ويمنع الاضطراب في الأسواق. ويؤكد بأن الدلائل تشير إلى أن التوفير الناتج عن التحرك المبكر يمكن أن يكون كبيراً. ويعتبر الجفاف حدث بطيء في بدايته، وتستغرق آثاره على الناس وقتاً طويلاً قبل أن تصبح واضحة. من ناحيتها، قالت فاطمة قسام، رئيسة السياسات والشؤون الحكومية في (ARC): إن المؤسسة أجرت محادثات مع الدول المعنية بشأن وضع حزمة من القوانين، يمكن أن تلائمها. وعبرت عن أملها في توسيع نطاق تغطية المؤسسة ليشمل مستقبلاً الكوارث الطبيعية الأخرى. وذكرت أن هناك 18 دولة أعربت عن رغبتها في الاشتراك. وما زال يتعين الاتفاق على تفاصيل الموائمة بين (ARC)، والتشريعات الوطنية للدول الأعضاء. وما يُمكن قوله ختاماً، هو أن حالة الجفاف قد عكست نفسها في صورة أزمة غذاء، أصابت طيفاً كبيراً من الناس في أفريقيا. ويبدو الصومال اليوم في مقدمة مشهد المجاعة وغياب الأمن الغذائي. وهناك آلاف الصوماليين، غالبيتهم من النساء والأطفال، يتعرضون في هذه اللحظات لخطر الموت جوعاً. وعلى المجتمع الدولي، والهيئات الإنسانية أينما كانت، أن تتحرك لإغاثة هؤلاء وإنقاذ أرواحهم.