لقد كانت الأسابيع القليلة الأولى لي في المملكة العربية السعودية حافلة جدا، في كل من مدينتي الرياضوجدة. فعقب أن وضعت رحالي هنا، شرعت في مهمة التعرف على هذا البلد الكريم وشعبه مبتدئا بإجراء زيارات تعارفية لكل من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وسمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وغيرهما من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال. ولقد لقيت من الترحيب الكثير. وهانحن الآن على مشارف شهر رمضان، فالجميع ينتظر بشوق لحظة إعلان رؤية هلال هذا الشهر المبارك. ولقد بدأت ألحظ تغيرا في الوتيرة وحماسا ملحوظا يبشر بمجيء شهر خاص جدا. إنها ليست المرة الأولى التي أشهد فيها هذا الشهر، فمازلت أذكر تجربتي الأولى في مدينة أبو ظبي منذ 30 عاما. ومنذ ذلك الحين قضيت شهر رمضان الكريم في دول أخرى مثل ماليزيا والكويت والقدس وسورية والعراق وليبيا. وإنه لشرف عظيم لي أن أتواجد في المملكة العربية السعودية، أرض الحرمين الشريفين المباركة، في مثل هذا الوقت. أشعر أنها ستمنحني رؤية خاصة لطبيعة هذا البلد الفريدة من نوعها و تطلعني على لمحة متميزة عن الروابط الاجتماعية.أعتزم الترتيب لحفل إفطار في كل من الرياضوجدة أجمع فيه فرق العمل لدي في السفارة، التي تضم العديد من المسلمين، على مائدة إفطار مباركة. فإنها فرصة مناسبة لقضاء بعض الوقت مع الزملاء وتوطيد أواصر الصداقة. ويبدو لي أن شهر رمضان المبارك، كفترة الصوم الكبير عند المسيحيين، يمثل تجربة شخصية يكرس المرء فيها وقته في التعبد والتأمل والغفران. أدرك أن العديد في المنطقة والعالم أجمع يشهدون الآن أوقاتا عصيبة، إلا أني آمل أن لا يؤدي ذلك إلى تناسى القيم التي يرمز إليها هذا الشهر الفضيل. القيم التي تذكرنا بالأمور التي تجمعنا، وهي التسامح والعدالة والتصدق والرحمة وقداسة الحياة البشرية. تلك القيم التي توحدنا على اختلاف أدياننا. كما يمثل رمضان تجربة اجتماعية فريدة تنعكس في تشارك الأسر والأصدقاء عباداتهم وصيامهم من الفجر حتى الغسق، ومن ثم في إعرابهم عن كرم وحسن ضيافتهم بعد ساعات الغروب. إن الدين الإسلامي، كباقي الأديان عندما تمارس بالشكل السليم ، ليس مجرد إيمان واحتساب فحسب بل هو أسلوب حياة وطريقة معيشة. سيحتفل المسلمون في بلادي - المملكة المتحدة - بشهر رمضان بمزيج من التعبد والبهجة. كما وستعُمر المساجد، حيث يجتمع المسلمون لأداء الصلاة والتعلم والتواصل فيما بينهم، بالأنشطة والفعاليات في مدينة لندن وأرجائها. ومن مزايا العمل في السلك الدبلوماسي الذي تعلمت الكثير منه على مدى السنوات الماضية الاطلاع على التجربة الإنسانية وتنوعها وأساليب التعبير عنه، ولا أخفي إعجابي بالمظاهر الجدية التي يتصف بها الناس في شهر رمضان سواء هنا في المملكة أو في سائر البلدان الإسلامية ، والتي تذكر وتؤكد في نفس الوقت على تحديد أولويات الحياة - بما في ذلك احترام الفرد، وأهمية الأسرة، وضرورة مساعدة من هم أقل حظا. لذلك أرجو أن تقبلوا أطيب تمنياتي في شهر رمضان المبارك وخالص شكري للترحيب الحار بي وبزملائي في المملكة العربية السعودية ليس في شهر رمضان فحسب بل على مدار العام .. يحدوني الأمل بأن تكون الأيام المقبلة في شهر رمضان فترة للعبادة والتأمل والاحتفال بالعيد في هذا العالم المضطرب الذي نحتاج فيه إلى وقفة صادقة ليس فقط مع من يحتاجون الى توفير الغذاء والمأوى بل والى تحقيق الأمن والسلام. *السفير البريطاني لدي المملكة العربية السعودية