لا يقدم مسلسل «تحت المعالجة»، وهو من آخر نجاحات محطة «HBO» الأميركية، ثنائية العنف والسلطة كما في مسلسل «السبروانو» أو غرابة يوميات العائلة التي تملك شركة لدفن الموتى كما في مسلسل «ستة أقدام تحت الأرض»، أو واقعية حياة الأحياء الأميركية الفقيرة المتروكة كما في «الواير»، لكنه ومثل المسلسلات المذكورة، وكلها من نتاجات تلفزيون «HBO»، يبرز مرة أخرى، الثورة التي تقودها هذه المحطة في عالم التلفزيون في العالم، والتي وصلت الى ال «بي بي سي» نفسها، فصارت «تطالب» اكثر من أي وقت مضى، باستعادة الدور الذي كانت تقوم به، وذلك عبر تقديم درما خاصة، جريئة، لا تخضع احياناً لمتطلبات السوق، قادرة على توجيه هذه السوق والذوق العام التلفزيوني في بلدها أو في العالم. فمسلسل «تحت المعالجة»، والذي يجري معظم مشاهده في غرف العلاج النفسي، لم يحتج الى موازنات مسلسلات الإنتاج الضخم، ليحقق النجاح الكبير النقدي والشعبي الذي يحققه الآن في كل مكان يعرض به، فالمسلسل يعود بالتلفزيون الى مفردات الأداء المسرحي الغائب كثيراً عن الشاشة، والى موضوعه النفس البشرية المعقدة والتعيسة. والقصة أساساً عن معالج نفسي يلتقي حالات مختلفة في عيادته، حيث تركز كل حلقة من حلقات المسلسل على إحدى الشخصيات الخمس الرئيسية في المسلسل، وكي يقترب المسلسل من الحياة الحقيقية لشخصية المعالج والتي لعبها باتقان رائع الممثل غابريل باينير (فاز بجائزة غرامي التلفزيونية عن الدور أخيراً). ويعرض المسلسل يومياً في ما عدا أيام السبت والأحد، ليكون كل أسبوع، من أسابيع عرض المسلسل التسعة، فترة مهمة، في حياة البطل، ومرضاه، والذين يعودون مع كل أسبوع جديد بمشاكلهم نفسها ومشاكل جديدة، وأحياناً بتطورات غير متوقعة. ولا تكتفي دراما المسلسل بقصص المرضى النفسانيين، فهناك ايضاً قصة المعالج نفسه، والذي يذهب الى طبيبة لعلاج وحدته، ومشاكله الاخرى، مثل طلاقه العنيف من زوجته، وايضاً الاثر الذي تتركه قصص مرضاه على حياته، ليضيف هذا الجانب من المسلسل اهمية مضاعفة لما تعنيه القصص التي نسمعها من اصحابها انفسهم، على الشخص الذي يشترك معهم في تحليل اسباب اخفاقهم في علاقاتهم او فشلهم في التواصل مع العالم. دور الأداء ويعتمد «تحت المعالجة» بمشاهده الثابتة الطويلة، على الأداء الكبير للشخصيات. فالقصص التي يقدمها مستوحاة من جلسات علاج حقيقية، تبرز كثيراً خطورة هذه الطريقة في العلاج على المشتركين فيها. فالمعالج يتحول الى كاتم أسرار وأحياناً يصبح الصديق الوحيد للكثير من الحالات التي تتردد على عيادته، وهو أمر لا يمر دوماً من دون مشاكل جدية أحياناً. وعلى رغم ان المسلسل مأخوذ من مسلسل إسرائيلي، وهي سابقة لمحطة «HBO»، والتي تعتمد في الغالب على نتاجاتها الخاصة، إلا أن النسخة الأميركية من المسلسل، هي التي بدات تحقق النجاح، بخاصة بعد شراء محطة «سكاي» البريطانية حقوق عرض المسلسل في بريطانيا، وهو الأمر الذي عرّض ال «بي بي سي» الى انتقادات الصحافة، والتي رأت ان تردد المحطة البريطانية الكبرى في شراء حقوق المسلسل، يعود الى الحساسية التي تحيط موضوع العلاج النفسي في بريطانيا وفي كثير من دول العالم.