في السياسة ومن يفلسفونها مصطلحات صنعتها القوة، ففي الجغرافيا السياسية، مبادئ التطويق والاحتواء، والمجال الحيوي، وغيرها، فقد خلق الاتحاد السوفيتي الستار الحديدي على دول أوروبا الشرقية، ومقابل القواعد الأمريكية، والحلفاء الذين حاولوا تطويقه، ذهب إلى عمق تلك الدول بتشكيل أحزاب شيوعية في قلب أوروبا وأمريكا الجنوبية والمنطقة العربية، عدا الدول الشيوعية التقليدية في الصين وفيتنام وكوريا الشمالية وغيرها في آسيا التي كانت الحليف الايدلوجي الثابت.. منطقتنا العربية عاشت هذه التطورات بين القوى العظمى، ثم الإقليمية، فشعور إسرائيل أنها في محيط عربي كبير، ودرع إسلامي عميق القوة، بادرت زمن الشاه، بعقد تحالف مع إيران تحاول منع أي تطور قوة عربية تهدد الطرفين، حتى ان صفقات النفط وتبادل المعلومات السرية والتجسس، وتحريك القوى التي لها القدرة على خلق فوضى في هذه الدول، كانت استراتيجية معمولاً بها إلى أن قامت الثورة، ومع الخميني لم تنقطع الصلة حتى أن فضيحة «الكونترا» بيع أسلحة أمريكية بواسطة إسرائيل لحكومة الخميني أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، وإرسال قيمة الصفقات إلى ثوار الكونترا، جزء من ديمومة واستمرار تلك العقود السياسية بين البلدين والتي لا تزال حتى الآن بفرضية المخاوف مع أي تضامن عربي يشكل قوتهم.. لم يقتصر دور إسرائيل على إيران فقط، فقد امتد تحالفها مع حكومات اثيوبيا كطوق آخر يمتد على البحر الأحمر ويقيم جسراً عسكرياً مع الدولة الافريقية، رغم أن العرب لم يدخلوا في خلافات وخصومات مع اثيوبيا، لكنها أحلاف المصالح التي تقودها القوى الكبرى، ولعل بروز الصومال، واليمن الجنوبي كدولتين تسيران في فلك موسكو، جزء من مبدأ التطويق والالتفاف على الدول العربية، ولم تكن تركيا خارج مسار هذه التحالفات مع إسرائيل زمن حكومات العسكر، بل امتد عمل إسرائيل إلى الهند لتكون جسر عبور لفتح صفقات مع أمريكا لصالح الهند واحتواء الخطر النووي الباكستاني القريب من العرب بحكم العقيدة الإسلامية.. الموقف قد يتجدد، ورغم أن إسرائيل، بعد شعورها أن إيران تريد أن تكون لاعباً إقليمياً يستفيد من تقاربه مع إسرائيل، لكن يرفضها لاعباً أساسياً، فقد كان ذراع إيران الإسلام مقابل طروحات إسرائيل للحد من تنامي قوة إيران «شرق أوسط جديد» يقوم على الاعتراف المتبادل، وفتح مجالات التعاون الاقتصادي وحتى العسكري مع الدول العربية، ولأن الشكوك بنجاح هذا المشروع، رغم التشجيع المطلق من أمريكا ودول أوروبا، إلا أنه لم يكن البديل الذي يغري الدول العربية، استبدال خطر إيران بخطر إسرائيل!! الأهداف ليست ميتة، ومن يظن أن العرب بمنأى عن أي تطور سلبي، لا يعي الحقائق للسياسات التي قد تقف، ولكنها تبعث متى كانت الحاجة إليها قائمة، وقطعاً استحالة وجود مدى من التضامن العربي يبدأ بالاقتصاد ثم الأمن القومي، وخلق بديل موضوعي لقوتهم، هو ما أغرى دول المحيط الإقليمي رسم سياستها على تدابير تخدم مصالحهم على حساب العرب..