الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فنحن في وطننا الحبيب المملكة العربية السعودية نعيش أيامًا حزينة، وساعات عصيبة بفقد أحد قادة هذا الوطن، وأبرز رجالاته، إنه نايف الأمن، ورجل المهمات والملمات، فقيد الوطن والأمة، حيث فجعنا جميعًا بل فجع العالم كله بفقد ولي العهد الأمين، والعضد المكين، صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله، وتغمده بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنته -، الذي عظم الخطب بفقده، وجل الأسى لفراقه، لعظم المكانة التي بوأها الله له في القلوب، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا على فراقك يا أيها الطود الشامخ لمحزونون، ولكن ما يخفف المصاب أن الله سبحانه اختار الفقيد إلى جواره، بعد عمر حافل بالإنجازات والعطاءات التي تسجل له بأحرف من نور، وتسطر في صحائف أعماله الخالدة وحسناته الكثيرة المتكاثرة التي شهد بها القاصي والداني، والناس شهداء الله في أرضه، وهذه الأعمال من الكثرة والتنوع بحيث تتجاوز في حجمها وآثارها لغة الأرقام، فلئن مات جسده ووري الثرى فإن أعماله ومنجزاته ودعمه وبذله يبقى شاهداً له، وناطقًا بما قدمه لأمته، وقد ورد في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، فاللهم ارحمه واغفر له، وأسكنه فسيح جنتك، وارفع درجته في عليين، واخلف في عقبه في الغابرين. إن اللسان يعجز عن الحديث عن الفقيد الأمير نايف ومناقبه وما قدمه لهذا الوطن وللإسلام والمسلمين، فبفقده فقدت الأمة والعالم واحدًا من أبرز القادة الذين جندوا أنفسهم لخدمة دينه ووطنه وأمته والإنسانية جمعاء، فسموه - رحمه الله - نشأ نشأة صالحة في كنف والده المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -، أساسها أولا: الالتزام بشرع الله والتوحيد والإخلاص وثانيا: خدمة دينه وولاة أمره ووطنه ومواطنيه، وظهر ذلك وبرز في أعماله ومنجزاته خلال تنقله في مختلف المسؤوليات التي قضى فيها جل حياته - يرحمه الله -، فهو من خلال تلك المسؤوليات يرسم صورة القائد الفذ، والمخلص الوفي، والمحنك السياسي، والموجه والمرشد، والباذل. نعم لقد اجتمعت في شخص هذا الرجل الكبير مؤهلات وقدرات ومواهب وميزات تجعله في سجل العظماء من الرجال، والمؤثرين من القادة، إنه صاحب القلب الكبير، والعقل الوافر، والسياسة الحكيمة، والتجربة الناضجة، والرؤى المتزنة، والحكمة والسداد، إنه أمير السنة والأمن والفكر، إنه سليل الأسرة الماجدة، وأحد أبناء الملك المؤسس - طيب الله ثراه - اكتسب الخبرة، وعايش السياسة، واجتذبته حكمة والده المؤسس، ولذلك عايش الأوضاع الداخلية والخارجية لهذه الدولة المباركة، وتقلد عدة مناصب، فقد كان وكيلاً لإمارة منطقة الرياض ثم أميراً لها، كما عين نائباً لوزير الداخلية، ثم وزير الدولة للشؤون الداخلية، وبعد ذلك صدر الأمر الملكي بتعيينه وزيراً للداخلية في عام 1395ه للهجرة؛ لكنه أمضى ما يقرب من نصف قرن في وزارة الداخلية، نائباً للوزير، ثم وزيراً وتوج تأريخه المشرق بتعيينه نائبا ثانياً، ثم ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء مع قيامه بمهام ومسؤوليات وزارة الداخلية ومرت أحداث جسيمة، وتطورات كبيرة، وتقلبات داخلية وخارجية، ومع ذلك وبفضل من الله تعالى كان وجود سموه على رأس قمة هرم المسؤولية في هذه الوزارة التي تمثل أساساً للأمن، وردءاً للأجهزة الأخرى سبباً رئيساً بعد فضل الله ومنته في تجنيب الدولة مخاطر كبيرة، واتهامات خطيرة. ولم يقف عند ذلك الحد؛ فقد كان رئيس الهيئة العليا للأمن الصناعي ورئيس لجنة الحج العليا ورئيس المجلس الأعلى للدفاع المدني ورئيس مجلس إدارة أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية والرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب ورئيس مجلس القوى العاملة ورئيس مجلس إدارة صندوق التنمية البشرية كما إنه – يرحمه الله – أسهم بترؤسه اللجنة العليا التي وضعت النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق في صياغة جانب مهم من عملية التطوير والتحديث في المملكة العربية السعودية؛ إلى جانب اهتمامه – يرحمه الله – بحماية البيئة في وطننا العزيز؛ فهو نائب رئيس الهيئة الوطنية لحماية البيئة وإنمائها وكان اهتمام سمو الأمير نايف – يرحمه الله – بالشؤون الإسلامية ودعمها ومساندتها جانباً مضيئاً في شخصيته الخيرة عبر عضويته الدائمة في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في بلادنا الغالية؛ كما أنه – يرحمه الله – واضع الاستراتيجيات الدائمة للمجلس الأعلى للإعلام والهيئة العليا للسياحة والهيئة العليا لإغاثة الشعب الفلسطيني. إن فقيد الأمة - رحمه الله - قد أولى اهتمامًا عظيمًا بخدمة السنة النبوية والتشجيع على حفظها والدراسات المتخصصة فيها من خلال الجائزة الخاصة به، جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، فالله أسأل أن يغفر لسموه على ما قدمه من خير وأعمال بر خدمة للإسلام والمسلمين، وأن يجزل له الأجر والمثوبة، كما أسأله أن يحفظ لنا قادة هذه البلاد المباركة، ويبارك لنا في خلفه، وأن يدفع عن هذه البلاد كيد الكائدين، وعدوان المعتدين، إنه سميع عليم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.