في ندوة علمية بحتة ليست لها علاقة بالوعظ حضورها نخبة من المثقفين طلب أحدهم المداخلة بعد انتهاء المحاضر من حديثه فأعطي (المايكرفون) ظنا من إدارة الندوة أن الرجل لديه ما يقوله عن الموضوع مدار النقاش، وكانت الدهشة أن بدأ الرجل يتحدث عن عدد المرات التي وردت فيها بعض المفردات مثل كم مرة وردت كلمة الرجل والمرأة وكم مرة ورد ذكر السموات والارض، وكم مرة ورد ذكر الجنة والنار وغيرها من ارقام قد لا تعني أي شيء ولكن الرجل كان يحاول أن يقول شيئاً لم يفصح عنه بسبب ارتباكه حين رأى علائم الدهشة تغطي فضاء المكان، القضية ليست هنا ولكن حين اتى وقت الانصراف أقبل الرجل وصافحني قائلاً (أنا أخوك في الله من البوسنة، ممكن أعرف من أنت..؟؟ وهل أنت سعودي؟؟) عرّفته بنفسي ومهنتي فقال (مادمت كاتباً فلماذا لا تدعو الناس الى الاصطياف في بلاد البوسنة وتأتي أنت لزيارتها؟؟) قلت له مداعباً (أخاف أن آتي الى دياركم فتسلموني الى أمريكا كما سلمتم ابناء العرب وأبناء هذه البلاد الذين أتوا الى دياركم لمساعدتكم إبان حربكم الطائفية وأصبحوا الآن في قبضة الاستخبارات الامريكية)، ضحك الرجل ولم يجب بل انصرف بسرعة وكأنه قد لدغ فجأة..! تذكرت هذه الحكاية وأنا أقرأ ما نشر في جريدة الوطن بعنوان (جماعات تبيع السعوديين الى فرق المرتزقة في بغداد) وأن أعضاء هذه الجماعات يتولون ترتيبات دخول الشباب السعودي الى العراق ثم يسلمونهم لمن يتولى بدوره المساومة عليهم ويطالبون أهليهم بفدية للإفراج عنهم - مقابل مادي كبير - وفي حالة عدم دفع الفدية فإنه يتم إيداع الشباب في معتقلات داخل العراق لحين استلام المبالغ المطلوبة من ذويهم..!! إذاً الطريق لا يؤدي الى الجنة ولا الى أحضان الحور العين كما قيل لهم قبل الذهاب الى تلك المحرقة، بل الى المعتقلات والتعذيب الجسدي والنفسي إن لم يؤد في النهاية الى الموت غير الرحيم.!! المأساة أن الأمر ليس بجديد على اسماعنا فقد سبق ذلك محارق لذات السبب في أفغانستان وقت كان الصراع على أشده بين أمراء الحرب هناك للوصول الى كراسي السلطة وكان حطب نار تلك الأطماع شبابنا الذين تساقطوا صرعى على أرض قيل لهم بأنها مقدسة وطريق سريع يؤدي الى الجنة، وتكررت ذات الحكاية في البوسنة والصومال والشيشان والآن في العراق ولازالت الاكاذيب حول الجهاد تنتشر بين اوساط الشباب المتحمس الى يومنا هذا فمن هو المستفيد من استمرار تلك المسرحية الجنائزية..؟؟ زميلنا الكاتب محمد بن علي المحمود وهو المحلل لفكر تلك الجماعات يقول في مقال له نشرته الجريدة الاسبوع الماضي تحت عنوان (الخديعة الكبرى) يقول «أن تمكث مدة قرنين من الزمان، وأنت في ثغر لم يكن ثغرا، وفي حرب ليست بحرب، وتتوهم النصر حيناً، والهزيمة في كل حين فأنت بلا ريب مخدوع، عندما يتم توجيه الطاقة الحيوية للجماهير نحو هدف موهوم، وعندما تقوم هذه الجماهير بتقديم التضحيات تلو التضحيات، من روحها ودمها ومالها، ثم لا تحصل بعد ذلك الا على سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، فتلك هي الخسارة الكبرى التي مازلنا ندفع فواتيرها عن طيب خاطر » ..أ. ه الآن.. بل قبل الآن هناك أمر لابد من فك رموزه حتى نستطيع إنقاذ شبابنا من الاحتراق في أي حرب طائفية تشتعل وهو أننا نسمع عن الجهود التي تبذل في منع ذهاب وتسلل بعض المضحوك عليهم بحكاية الجهاد ولكننا لا نعرف سر السماح بترك من يؤجج عواطف الشباب في الاستمرار بلعبته على كل منبر وفي كل حين.؟؟.