أمضيت في الشهر الماضي أسبوعاً ما بين جامعتين من أعرق الجامعات الأمريكية، ستانفورد وكاليفورنيا-دافيس اللتين يحتاج الوصول إليهما قطع نصف الكرة الأرضية طيراناً. وإن كنت تحدثت بعض الشيء عن تجربة دافيس مع إحدى رائدات الدراسات الأنثروبوليوجية للشرق الأوسط هناك، الدكتورة سعاد جوزيف، فإني لم أتطرق للحديث عن الجامعة نفسها وموقعها من المدينة أو الحديث عن ستانفورد التي تبعد عن الأولى ثلاث ساعات بالقطار على امتداد الساحل الغربي للولايات المتحدةالأمريكية، فإني سوف أستعرض بعضاً مما تقدمه هذه الجامعات. تقع جامعة ستانفورد الرائدة بحثياً وتعليمياً في قلب وادي السيليكون الشهير، وتساهم بشكل رئيس في الدراسات التي تخدم قطاع الدراسات التقنية العالية التي أنتجت ما يعرف بعلوم المايكروكومبيوتر ومايكروكومبرسور وعدد لا يحصى من المخترعات التطويرية لتكنولوجيا الكومبيوتر. وتعتبر جامعة ستانفورد الرائدة والحاضنة لهذا الوادي وصناعاته وتطويره. وقد أسس هذه الجامعة الخاصة حاكم الولاية، ليلاند ستانفورد وزوجته جاين عام 1891 على روح ولدهم الوحيد "لي جونيور" ذي الخمسة عشر عاماً الذي قضى بالتيفوئيد عام 1874، فقد وجدا أنهما إن لم يتمكنا من تعليم ابنهما لي، فإن أبناء كاليفورنيا كلهم أبناؤهما وسيوجهان ثروتهما لبناء هذه الجامعة وشراء أراضيها وهبتها إلى الولاية وتخصيص أفضل الأنظمة التعليمية والموارد لها لتقابل تحديات الواقع العلمية وتعد طلبتها للمواقع القيادية في العالم. ومنذ ذاك التاريخ أصبحت ستانفورد التي بنيت في وادي بالو ألتو بين سان خوزيه وسان فرانسيسكو من أهم جامعات العالم، ووفق تقييم QS فهي تحتل رقم 13 في جامعات العالم ورقم 9 على مستوى جامعات أمريكا ورقم 7 وفق موقع US News Education. ويذكر ان عميد كلية الهندسة بين عامي 1940-1950 فريدريك ترمان الذي يعد الأب الروحي لوادي السيليكون، شجع أساتذة الجامعة وطلبة الدراسات العليا بأن ينشئوا شركاتهم الخاصة في الوادي ويخدمونها بدراساتهم التقنية واختراعاتهم مثل العمل الرائد ل «لي دي فوريست» وغيره، وقد سمح ذلك لأن ينمو الوادي حول حرم الجامعة ويرتبط تاريخه به. وكان من أمثلة ذلك سيرجي برين ولاري بيج مخترعا ومؤسسا موقع جوجل، ودوريس فيشر صاحبة جاب، وويليم هوليت ودافيد باكارد صاحبا شركة هوليت باكارد، وريد هوفمان مؤسس شبكة لينكدلن، وفيل نايت صاحب نايكي، وتيري يانج ودافيد فيلو مؤسسا ياهو، وستيف بالمر من مؤسسي ميكروسوفت وغيرهم، ومن خريجي ستانفورد قائمة طويلة من مشاهير العلم والأدب والفن والصناعة والسياسة والمبدعين والمخترعين، فمنهم من أصبحوا مدراء جامعات رائدة في أمريكا مثل جون هوبكنز، أريزونا، سيراكيوز، ييل وغيرها. ومنهم من اشتهروا في مجال الفن والإعلام مثل تيد كوبل وجينيفر كونلي، ومنهم الرياضيون وفي مجال السياسية من خريجي ستانفورد الرئيس الأمريكي هربرت هوفر، وعدد كبير من حكام الولايات والوزراء الأمريكيين وغير الأمريكيين مثل رئيس بيرو السابق ورئيس هندوراس السابق وجواتيمالا ورئيس وزراء اليابان وغيرهم. وقد كانت زيارتي لها ضمن مشاركتي في مؤتمر يرعاه برنامج الإصلاح و الديمقراطية في العالم العربي بمركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون في جامعة ستانفورد، بتحليل الديناميات الاجتماعية والسياسية في البلدان العربية. كما يقوم بتحليل أنظمتها السياسية وذلك من خلال التركيز على الاتجاهات، الفرص، والطرق الممكنة من أجل تفعيل الإصلاحات الديمقراطية بالمنطقة. ويهدف هذا البرنامج إلى أن يكون منبعا للرصيد المعرفي حول مواضيع الحوكمة الجيدة والإصلاح السياسي في المجتمعات العربية، من خلال إنتاج بحوث أكاديمية دقيقة وسباقة تقوم على أساس عمل ميداني في العالم العربي يتيح فرصة التعبير أمام مختلف الآراء والأصوات، ويدير البرنامج لاري دايموند ولينا الخطيب ود.هشام بن عبدالله العلوي. وكان هذا المؤتمر هو المؤتمر السنوي الثالث وخصص ل "التحول الديمقراطي والتنمية في العالم العربي" الذي عقد في مركز بيتشل للمؤتمرات، قاعة إنسينا التي تعود إلى القرن التاسع عشر ضمن حرم الجامعة الذي يتميز باحترازه البيئي واتساع مساحاته الخضراء ومعانقة أشجاره السماء التي تضم المدينة بأكملها، حيث إن بالو ألتو تقوم على مدينة ستانفورد الجامعية واشتراطاتها البيئية والعلمية. وقد شاركت فيه بورقة حول الشباب والإعلام الجديد مع مجموعة مركزة من المختصين والمختصات في العالم العربي، جلهم من داخل الولاياتالمتحدة عدد منهم من الأمريكان العرب، مثل أماني جمال من جامعة برينستون ولبنى صقلي-حنا من الجامعة الأمريكية بواشنطن، وفالنتين مقدم من جامعة نورث وستورن، وعبدالوهاب الكبسي من مركز دراسات الديمقراطية، ومن العالم العربي هناك منى مكرم عبيد من الجامعة الأمريكية في مصر ومنجي بو غزالة من جامعة المنار بتونس وجورج كسيفي من دار التنمية ببيروت ومن ليبيا رحاب الحاج. وقد كانت فرصة لإعمال الكثير من المراجعة الفكرية والتحليل العلمي للتحولات المعاصرة والخروج بفهم أكبر لآلية التغيير القائمة وصلتها بعملية التنمية مع تسليط الضوء على الأشكال المختلفة من التحديات التي تواجه العالم العربي ولم تُستثن منه التحديات السياسية للتدخل الغربي في الشأن العربي وتأثير ذلك على القرارات الداخلية أو المطالب الشعبية ومطالب الأقليات العرقية أو الدينية.