ستلاحظون أن منازل الطبقة المتوسطة عندنا، وحتى منازل العوائل الميسورة قد خلت، في العقود الأخيرة من مساحة اسمها غرفة الضيف. أو كما يسميها أهل مصر "غرفة المسافرين". قاعدة التزم بها أيضا نبلاء كبار الناس في أوربا، وأخص البريطانيين. فالقصور ذوات المساحة الكبيرة لا زالت تحتفظ بعزلة أو ملحق أو اثنين سموها (غيست روم) Guest room. فكرم الضيافة لم يشتهر بها العرب وحدهم، بل كانت موجودة عند الغربيين لو لم تقصم ظهورهم الضرائب على المساحة. وكان المسافر من نجد لا يحمل متاعا سوى صندوق من الحديد وفراشا مربوطا ربطا محكما. ذاك الفراش يفيده عندما ينزل ضيفا على أحد أقاربه أو معارفه. وغالبا يفترشه في المجلس (القْهَوة) أو مكان يُسمى أيّ شيء سوى "غرفة الضيف". قال شاعر ذهب برسالة (خط) إلى منزل أحدهم الذي يعتزم السفر (وهي من المربوع): كتبت الخط ولكّيته نحرت المامور ببيته ضربت الباب وطقيته قالوا طَلَعْ معه فراش لاحظوا الكلمة الأخيرة فهي الدلالة الواضحة أن صاحب المنزل ينوي السفر. ولم تكن آنذاك الفنادق متوفرة، وحتى لو توفّرت فلم يعتد الرجال نزول فنادق وفي البلد قريب أو صديق. والقصص حول استقبال الضيوف كثيرة في أدبياتنا. حتى أننا استنبطنا مفردة لتابع الضيف كالخادم والدليل وغيره، أورفيق الدرب (الخوي) وسمتها اللغة الفصيحة "ضيفن". قال المتنبّي: لُعنت مقارنة اللئيم فإنها ضيف يجرّ مع الندامة ضيفنا مجتمعنا الآن ترك الضيافة والاستضافة، وقاد هذا إلى ظهور استثمارات لم تكن معروفة وهي الشقق المفروشة. ولم يكن هذا التوجه إلا نتيجة السعة المالية، فمعظم القادمين إلى بلدك الآن من أقاربك حسبوا حسابهم، ويكتفون منك فقط ببشاشة استقبال على الشاي والقهوة أو على وجبة غير باذخة. ولما ذهب السعوديون إلى البحرين والهند والكويت فى بدايات القرن الماضي حرصوا على قبول الضيف ممن أتوا للتجارة أو العلاج. فالسكن والفطور جماعي عادة ووجبة غداء خفيفة. أما وجبة العشاء فهي رئيسة يشاركهم فيها المضيّف.