أسواق النفط تترقب تدفق المزيد من الإمدادات برغم مخاوف ضعف الطلب    استشهاد ستة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مركبة جنوب قطاع غزة    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل الأيتام واليتيمات بمناسبة يوم اليتيم العربي    بسطة خير" توفر بيئة عمل منظمة ل 60 بائعًا متجولًا في حفر الباطن    محافظ عنيزة رعى ليلة مراسم الرمضانية    القادسية والنصر في نهائي بطولة الصالات الرمضانية    الخارجية الفلسطينية تُطالب المجتمع الدولي بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    تعليم مكة يكرم 100 طالب وطالبة بجائزة منافس للعام 2024    استمرار هطول الأمطار الرعدية وزخات البرد على عدة مناطق في المملكة    زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب جنوبي الأرجنتين    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    حجز 5 شاحنات أجنبية مخالفة تمارس نقل البضائع داخل مدن المملكة دون ترخيص    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس الاجتماع السنوي ال 32 لأصحاب السمو أمراء المناطق    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لمكافحة السمنة"    مستشفى إرادة والصحة النفسية يُنظّم فعالية "التوعية باضطراب الأكل"    مستشفى خميس مشيط العام يُنفّذ فعالية "الشهر العالمي للتغذية"    وسط تحسن العلاقات والتواصل بين ترامب وبوتين.. الضمانات الأمنية حجر الزاوية لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية    تأهيل الرعاية الصحية بالقطاع.. عبد العاطي: مصر والأردن تدربان الشرطة الفلسطينية لنشرها بغزة    تأمينا لخطوط الملاحة البحرية وحركة التجارة العالمية.. أمريكا تواصل ضرباتها لإفقاد الحوثيين القدرة على استهداف السفن    «أم القرى»: 3.93 مليار طلبات اكتتاب الأفراد    "الثلاثي السعودي آسيوياً وفرق الشرق"    الأردن يدعو مواطني ومقيمي دول مجلس التعاون الخليجي لاكتشاف روائع المواقع التراثية المصنّفة ضمن قائمة اليونسكو    الدراما السعودية والتحولات الاجتماعية    "هدية" تخدم مليوني مستفيد في النصف الأول من رمضان    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره الصيني    الاتحاد السعودي للهجن يختتم دورة تدريبية لمنسوبيه    المدينة: 62 ألف غرفة ضيافة مرخصة    جهاز داخل الرحم (2)    عبدالعزيز بن سعود يرأس الاجتماع السنوي ال 32 لأصحاب السمو أمراء المناطق    الشهري مدرباً للاتفاق حتى 2027    تكفينا جنة الأعرابي    لن يكون الإسلام صحيحا حتى يكون نظيفا    الشيخ سعد بن مريع أبودبيل يتبرع لجمعية آباء لرعاية الأيتام بمحافظة أحد رفيدة    أخضر الشاطئية يكثف استعداداته لملاقاة الصين في كأس آسيا    من شارع الأعشى إلى بوسطن الأمريكية    إرث عمراني وثقافي    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تداولاتها على ارتفاع    "البديوي": إعادة إعمار سوريا واستقرارها ضرورة إنسانية وأمنية للمنطقة بأسرها    الموهبة رائد عسيري: الصدفة قادتني إلى النجومية    أمسية شعرية ضمن أهلا رمضان    غلفها بزيادة لتعزيز سلامة الغذاء والصحة العامة    %70 نمو ممارسة المشي    5 أحياء تستقطب زوار جدة والإيجار اليومي نار    8 خدمات نوعية للقطاع الوقفي    مسجد "عِتبان بن مالك الأنصاري" مَعْلمٌ تاريخي يرتبط بالسيرة النبوية في المدينة المنورة    هدف لاعب الرياض "إبراهيم بايش" في شباك الاتحاد الأجمل في "جولة العلم"    تطبيق العِمَارَة السعودية على رخص البناء الجديدة    العتودي مساعدًا لرئيس بلدية بيش    78 مليونا لمستفيدي صندوق النفقة    تتبع وإعادة تدوير لوقف هدر الأدوية    صقور نجد يتوج بكأس بطولة الوسطى للهوكي ويحصد الميداليات الذهبية    العلم الذي لا يُنَكّس    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية يتفقّد قوات الأفواج بمنطقة نجران    اليمن بعد غزة ولبنان: هل جاء دور الحوثي    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر بين مشهدين!!
نشر في الرياض يوم 21 - 05 - 2012

وسط المخاوف والأخبار المقلقة والتوترات اليومية من تداعيات لم تضع أوزاها بعد.. علينا أن نرى أيضا بعض الإشراقات التي توحي بأن ثمة إمكانية كبرى لعبور مراحل الاضطراب.
منذ أكثر من عام، والعرب يتابعون بذهول وقلق وألم وأمل التحولات الكبرى التي تؤذن بمرحلة جديدة في العديد من الدول العربية.
هناك مخاض عسير وكلفته عالية. هناك تدهور على أصعدة كثيرة اقتصادية وأمنية. إلا أن هناك أيضاً ملامح توحي بأن ثمة تغييراً كبيراً سينبثق من خلال هذا الركام.
مصر عربياً، المختبر الكبير، والمستودع الأهم.. بشرياً وجغرافياً، إمكانية وقدرات. إذا استطاعت أن تخرج من عنق زجاجة ثورة 25 يناير إلى رحابة نظام مؤسس يكرس الديمقراطية والتعددية والدولة المدنية... وهو ما يوحي به إلى اليوم ذلك المسار الصعب المحفوف بمخاطر التعطيل.. فإنها ستنهض خلال سنوات معدودة.
وسط المخاوف والأخبار المقلقة والتوترات اليومية من تداعيات لم تضع أوزاها بعد.. علينا أن نرى أيضاً بعض الإشراقات التي توحي بأن ثمة إمكانية كبرى لعبور مراحل الاضطراب.
خلال أيام معدودة، تقترع مصر على رئيسها القادم. ثمة ترقب لنتائج معركة انتخابية مختلفة، لا يرقب المصريون وحدهم نتائجها بل ومعهم العالم العربي والعديد من القوى الكبرى التي تراقب هذا المسار الجديد. التطورات السريعة في المشهد المصري لا تعطي فرصة لالتقاط الأنفاس. ماراثون رئاسي وصراع على أشده.
لم تكن تلك المناظرة بين أهم مرشحين لمنصب الرئيس الأستاذ عمرو موسى والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح.. سوى مؤشر على طبيعة وحجم التغيير القادم. لا تنفصل المناظرة عن الأجواء التي تعيشها مصر قبل أيام معدودة من انتخاب الرئيس الجديد. معركة انتخابية قوية وانهماك كبير وحشد واسع للقوى المتنافسة والمتصارعة على السلطة. إنه العنوان الأبرز لمرحلة مختلفة في تاريخ مصر الحديث.
جلبت المناظرة أصداء واهتماماً واسعاً داخل مصر وخارجها، فالصراع على السلطة في العالم العربي ظل لعقود طويلة بعد رحيل المستعمر رهين القدرة على تحييد أو تصفية الخصوم أو مراكز القوى أو التآمر والانقلاب والانقلاب المضاد.. يكتسب المشهد أهميته من إعادة تأسيس تلك العلاقة بين السلطة والإدارة الشعبية على قاعدة الاقتراع الحر.
أجواء الحرية - حتى لو عصفت بها الفوضى والتشويه في مرحلة انتقالية - مكنت الإعلام المصري من تحقيق خبطة صحفية وإعلامية في ترتيب تلك المناظرة. وبغض النظر عن نتائجها أو أداء المرشحين، فهذا يعني المصريين وحدهم. المهم في الأمر أننا لأول مرة نرى في عالمنا العربي مرشحين رئاسيين يقفان أمام الجمهور ليعرضا بضاعتهما.. وكلهما أمل في استقطاع المزيد من الأصوات.
في تلك المناظرة التاريخية، وقف المرشحان الأكثر حظاً وفق استطلاعات الرأي لأكثر من ثلاث ساعات ليتحدثا لناخب يطلبان صوته بكل إيمان بقيمة هذا الصوت لهما ولمصر ولمشروع الرئيس المقبل.
اللافت في التطورات المصرية، أن ثمة دفعة قوية قدمت ميزة نسبية للإعلام المصري غير الحكومي مما يوحي بأن السنوات القادمة ربما تشهد تغيراً نوعياً في المنافسة. فهو يعايش أحداثاً يومية تتوالي تطوراتها في اليوم الواحد، وبما توافر له من مساحة من الحرية، وبما يملك من قدرات بشرية متنوعة الكفاءة .. أصبح بمقدوره أن ينافس بقوة على الأقل فيما يتعلق بالمشهد المصري حالياً.
المصريون هم من سيقرر من يكون رئيسهم القادم. لا نحلم هنا بأكثر من مصر قوية وآمنة ومزدهرة. المسألة الأهم في هذه المناظرة تأتي من عدة جوانب بالنسبة لمراقب بعيد.
أولها، أن مصر بطاقاتها الإعلامية قادرة على صناعة إعلام مواكب ومميز ومنافس. إنها لا تستورد المذيعين ولا الفنيين ولا طاقم الإعداد. كل ما كان يحتاجه هذا التفوق هو تلك البيئة المناسبة للانطلاق. ولن يكون غريباً إذا ما استقرت الأمور على نحو يعزز قيمة الحرية المسؤولة والمهنية أن نراها مستقبلاً مصدراً مهماً يتحول إليه المشاهد العربي أو جزء منه... وهذا يفرض التحدي على قنوات فضائية عربية استأثرت بالمشاهد العربي خلال العقد الماضي أن تتوقع تحدياً ومنافسة قوية في بيئة تنطلق بدافع وحضور التحول الكبير نحو آفاق لم تجرب أو تختبر بعد.
الأمر الآخر، هذا المشهد اللافت، والذي كان قبل عام يبدو خيالاً بعيدً.. فمدير المناظرة يقف أمام رئيس محتمل لرئيس دولة كمصر، ويوقفه اذا تجاوز ثانية من وقته المخصص للإجابة. وما على الرئيس المرشح سوى الإذعان باحترام كبير. إن هذا المذيع يدرك انه أمام رئيس محتمل وقادم حتماً. ولكنه لم يعد ذلك المذيع أو المقدم.. إنه تعبير عن امتثال الرئيس المرشح لقانون برنامج المناظرة.. وهو مؤشر له دلالته وأهميته في المرحلة القادمة. يقف الرئيس المرشح ليس فقط لعرض برنامجه في تركيز كبير. بل عليه أن يستدعي بحضوره وقدراته الشخصية ثقة الناخب بأنه الأجدر بهذا المنصب الرفيع.
أما أن يتراشق المرشحان الرئاسيان بعض الاتهامات، فهذا متوقع جدا في هذا النوع من المناظرات، التي تستهدف الناخب عبر تسجيل نقاط إضافية وفق سلم التقييم الجديد الذي يحرك مشاعر الناخب واتجاهاته. إلا أن هذا جرى في أجواء بعيدة عن التشنج، وانتهى بمصافحة بين المرشحين توحي بدرجة عالية من الثقة.
طيلة عام مضى كانت ثمة مشاهد تبعث على الأسى والخوف من تعثر مسار مر بمنعطفات كثيرة وممانعة قاسية. أخرجت لنا التحولات في مصر صوراً مؤلمة ومربكة ومحبطة... لكن ها هي تقدم مشهداً يستعيد الأمل.
توقفت مصر منذ ستين عاماً وليس منذ ثلاثين عاما عن مسار حضاري كان يمكن ان يقدم مشهداً من هذا النوع في وقت مبكر. منذ يوليو عام 1952.. كانت ثمة مرحلة تطوى وتستبدل بها مرحلة جديده عنوانها الزعيم الأوحد وإلى الأبد. إغلاق أبواب الحياة السياسية والحريات الإعلامية وإحكام القبضة على مفاصل المجتمع.. وتغلغل الدولة الأمنية القمعية لتسطو على الحياة المصرية.. لم يورث مصر سوى انكماش قدرتها على ولادة قامات كان لها دور كبير في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية..
وعلى الرغم ان هناك من يحاول أن يفصل بين مراحل الزعامات بعد العهد الملكي، إلا أنهم يغفلون قاعدة مهمة وهي أن التأسيس الذي أخضع الدولة لزعامة الفرد لم يكن بمقدوره حتى لو أنجز ما يذكر أن يحافظ على أي إنجاز.
تدخل مصر عصر الجمهورية الثانية، والمأمول أن تؤسس لمسار لا يمكن العبث به أو الاستيلاء عليه.. يتيح الفرصة لإطلاق الطاقات على نحو يخدم مشروع وطن ودولة ومجتمع.. وهذا لا يمكن أن يتحقق مهما كانت درجة تفاؤل أو وعود المرشحين للرئاسة بقدرتهم على تحقيقه خلال أعوام قليلة.. ولكن حسبهم أن يساهموا في تأسيس قواعد جديدة لدولة كبيرة كمصر تصبح خلال سنوات قليلة قادرة على النهوض، وعندها سنرى مصر أخرى لن تكون هي التي نراها اليوم وربما أذهلتنا بقدرتها على التعافي والصعود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة