لم تعد أي منطقة في العالم - هذه الأيام - مجهولة أو محتجبة عن أعين الأقمار الصناعية.. وهذا الأمر يستدعي التفكير في بعض الروايات القديمة التي تتحدث عن مواقع غير مكتشفة حتى الآن (وهو ما تعرضت له في مقال قديم بعنوان: روايات بميزان الجغرافيا). والأمر لا يقتصر فقط على سد يأجوج ومأجوج أو جزيرة الجساسة، بل وأيضا على جزر كثيرة كان وجودها مؤكدا في الماضي دون العثور عليها في الحاضر.. ففي عام 1738 مثلا كان الكابتن بيري بوفيت في طريقه لاستكشاف القطب الجنوبي. وعلى بعد 1500 ميل من جنوب افريقيا رأى مجموعة من الجزر المجهولة (دعيت لاحقا باسمه). ورغم انه لم ينزل عليها الا انه حدد موقعها بدقة ووصفها بأنها جزر صخرية تغطيها الثلوج. وحينها اهتمت بريطانيا بهذه الجزر وأمرت الكابتن جيمس كوك (مكتشف استراليا) بالاستيلاء عليها. غير ان كوك وصل الى المنطقة مرتين (في عام 1772 و1775) ولم يجد شيئا. وفي عام 1808 ابلغت سفن صيد عديدة عن رؤية الجزر في نفس المنطقة التي حددها بوفيت. كما ابلغ عن رؤيتها الادميرال الامريكي بنجامين موريل عام 1822 وحدد مكانها بدقة. وفي عام 1825 ابلغت خمس سفن اخرى عن رؤية الجزر - وأكد قبطان يدعى جورج نورس بقائه فيها لثلاثة عشر يوما!! وازاء هذه الشهادات قررت بريطانيا ارسال بعثة بحرية ثانية وثالثة واربعة ولكنها - في كل مرة - لا تعثر على شيء.. إلا ان فشل بريطانيا في اكتشاف جزر بوفيت لا يعني انها تنكر وجودها/ حيث ماتزال موجودة على خرائط البحرية الملكية (بل وتم التأكيد على وجودها خلال الحربين العالميتين وحرب الفوكلاند)!! .. وجزر بوفيت ليست على أي حال المكان الوحيد الذي يظهر ويختفي بلا سبب معقول؛ فمواقع كثيرة تم رصدها وفقدها في بحار العالم. ففي مثلث برمودا مثلا (في البحر الكاريبي) ابلغ بعض الشهود عن رؤية جزر مجهولة وسفن قديمة - من المفروض - انها غرقت قبل ثلاثين عاما.. وهناك من يعتقد أن الامر برمته مجرد سراب وخداع بصري، وهناك من يقول ان المياه في تلك المناطق تنخفض في اوقات معينة فتكشف عن رؤوس صخرية، وهناك من يفترض ان جزر بوفيت مجرد كتل جليدية ضخمة انفصلت عن القطب الجنوبي!! .. أما شخصي المتواضع فلا يستبعد وجود جزر بوفيت في منطقة ذات أبعاد فيزيائية شاذة وبالتالي لا يمكن رؤيتها في الاحوال العادية؛ فحين تعجز البعثات البحرية عن رؤية هذه الجزر - رغم تحديد موقعها - يبقى هناك عدم التوافق في البعد الزماني (بمعنى لا يتوافق ظهور الجزر مع حضور البعثات)! .. واختلال البعد الزماني يحدث في مواقع استثنائية وظروف فيزيائية خاصة بحيث يظهر الماضي في الحاضر (كما ادعى البعض ظهور السفن القديمة في مثلث برمودا). وبناء عليه يحتمل ان تكون جزر بوفيت قد غرقت قبل آلاف السنين ولكن "صورتها" هي التي تظهر في ظروف استثنائية وغير مفهومة الى الآن..!! أعرف أن الفكرة غريبة بعض الشيء؛ إلا انها لا تقل غرابة عن رؤية الاشباح - وسماع الاصوات القديمة - حيث عاش الاصل ووقع الحدث!!