كتب الشمال اللبناني أمس السطر الأخير من الانتخابات النيابية في لبنان، ومع إقفال صناديق الاقتراع في السادسة مساءً في دائرتي الشمال الانتخابيتين يكون الناخبون قد اكملوا عدد أعضاء المجلس النيابي الجديد، بعد اختيارهم لممثيلهم ال 28 نائباً في الدائرتين، الأولى وتضم عطار والضعنية وبشري 11 نائباً والثانية وتضم: طرابلس، المنية، زغرثا، بثرون والكورة ولها 17 نائباً. وتميز اليوم الانتخابي الأخير بنكهة خاصة، ليس فقط لأن نتيجته ستساهم بشكل كبير في تحديد لون المجلس المقبل، وإنما لأن الشماليين أبوا إلا أن يخوضوا معركة انتخابية حقيقية، بدأوها في الليل وكرسوها صباحاً مع وصول بعضهم إلى مراكز الاقتراع قبل فتحها في السابعة صباحاً. وللمرة الأولى منذ اتفاق الطائف خاض الشمال معركة حقيقية ديموقراطية وانتخابية بمعنى الكلمة. وقال كلمته بوضوح، قالها بلوائح كاملة سواء للائحة الإصلاح والمعالجة في الدائرة الثانية التي تضم تحالف «تيار المستقبل» والتكتل الطرابلسي وتيار «القوات اللبنانية» وقرنة شهوان وحركة التجدد الديموقراطي وحركة اليسار الديموقراطي أو للائحة «قرار الشعب» التي تضم تحالف النائب سيلمان فرنجيه والنائب السابق عبدالمجيد الرافعي مع تيار العماد ميشال عون، أو في الدائرة الأولى التي شهدت منافسة قوية بين اللائحتين الأولى لائحة الوحدة الوطنية - 14 آذار - التي تضم تحالف «تيار المستقبل» مع «تيار القوات اللبنانية» ومستقلين، والثانية لائحة الإرادة الشعبية التي تضم خليطاً من النواب الحاليين والسابقين يتزعمهم النائب مخايل ضاهر مدعوماً من تيار العماد عون والنائب عصام فارس. وهناك لائحة ثالثة لا تضم سوى ثمانية مرشحين تبدو فرصهم بالفوز ضئيلة، وهم خليط من مجموعة مرشحين لم يجدوا فرصة لهم في أي من اللائحتين القويتين. وبدا واضحاً للمراقبين أن المعركة تتركز أساساً على مدينة طرابلس، وهي مركز المحافظة حيث يمثل الثقل السني في هذه المدينة «بيضة العقبان» التي بإمكانها أن تحسم المعركة، وقد شهدت المدينة منذ الصباح ازدحام سير خانق لا سيما في الأحياء التي تحتوي أقلام اقتراع. فيما انتشرت المكاتب الانتخابية للائحتين بشكل كبير وشكل وجودها عنصر جذب للمقترعين، خصوصاً وانها فتحت مكبرات الصوت وبث الأناشيد الوطنية وتلك تدعو إلى الاقتراع لهذه اللائحة أو تلك. وفي تقدير هؤلاء أن نسبة الاقتراع في المدينة يمكن أن تشكل أيضاً عنصراً حاسماً، وتعول لائحة تحالف سعد الحريري - القوات اللبنانية وقرنة شهوان على الاقتراع بكثافة، وتقول ماكينتها الانتخابية إنه إذا بلغت نسبة الاقتراع 40 في المائة، فإنها ستضمن الفوز للائحة كاملة. وتوقعت مصادر أمنية أن تبلغ النسبة هذا الرقم مساءً. علماً أن الاقتراع صباحاً لم يكن بهذه الحدود، إذ بلغ ظهراً حدود ال 20 في المائة، لكنها مرشحة لأن ترتفع بعد الظهر. وهذا ما توقعه النائب مصباح الأحدب والمرشح على لائحة الإصلاح والمعالجة في طرابلس، مشيراً الى ان ما يحدث في المدينة هو شيء طبيعي والمدينة كانت منذ فترة طويلة مظلومة وتعتبر جزيرة على الخارطة اللبنانية، حيث جو المطالبة بالوحدة الوطنية. ولفت الى ان التغيير ضروري جداً لاسيما في هذه المنطقة التي كانت متروكة، وكل الذي يحصل من آلية انتخاب هو بداية آلية تغيير فعلية. وحذر الاحدب من الاوائح المنفردة، داعياً الى المشاركة الكثيفة وقال ان المواطن الطرابلسي مييس وله كرامته ويعلم ما يريد، يعلم ما يريد. ووصف رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، وهو ابن طرابلس، مسار العملية الانتخابية بالطبيعي جداً مثلها مثل المراحل التي سبقتها وكانت ناجحة وطبيعية. ولاحظ بعدما ادلى بصوته في مدرسة التل الجديدة للبنان ان لم يتبلغ شكاوى رئيسه. ولفت إلى أن العازل اجباري ونحن ملتزمون بقرار الحكومة بالوقوف وراء العازل حفاظا على خصوصية وسرية الانتخابات. أما وزير الداخلية حسن السبع، فقد لاحظ بدوره بعد جولة له على اقلام الاقتراع بأن الاجواء طبيعية جداً، مشيراً الى ان الاقبال جيد جداً متمنياً ان تستمر العملية الانتخابية كما تسير حالياً. ونفى السبع حدوث اية مشاكل باستثناء بعض الامور الصغيرة التي تعالج على الارض. ورفض السبع الرد على الاتهامات الموجهة اليه. وقال اليوم هو انتخاب ومنه نرد على الهجمة السياسية وسيأتي وقتها، ولندع هذا النهار يمر ليأخذ كل شخص الاصوات التي ينالها. وشدد على انه ليس هناك بديل من البطاقة الانتخابية حسب ما ينص عليها القانون. وزار السبع منزل الرئيس ميقاتي الذي توجه بعد ذلك يرافقة وزراء الاعلام والعدل والمهجرين والبيئة طارق متري، حيث عقد ميقاتي والسبع مؤتمراً صحافياً. لكن اللافت أن الرئيس عمر كرامي بالرغم من أنه أعلن مقاطعة الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً، دخل على خط العملية الانتخابية بقوة أمس حيث اتهم لائحة «الاصلاح والمصالحة» بالتجييش الطائفي، واستخدام المال السياسي، ووزير الداخلية بالتحيز، مفيداً أن ما يجري هو أكثر من تزوير وأنها جريمة ترتكب في حق الشمال ولبنان. وقال إن الشحن الطائفي سيكلفنا الكثير من الجهد والعناء كي نصفي الأمور، معتبراً أن هذا الشحن هو سيف ذو حدين. وأسف أن يستغل مفتي الجمهورية ومفتي طرابلس والمشايخ عامة في هذه المعركة الانتخابية وأن تستعمل بيوت الله للترويج لأمور انتخابية. وقال هذه أول مرة تحدث هذه الأمور بهذا الشكل وبهذا الوضوح، وهدد أنه سيكون له بعد الانتخابات موقف سياسي، وقال إنه سيتحرك مع إخوان في الطائفة السنية لأننا لم نعد نقبل أن يكون مفتي الجمهورية طرفاً، إذ نحن نعتبر المفتي مرجعية لكل أبناء الطائفة ويجب أن يكون على مسافة واحدة من الجميع. أما اليوم فلم يعد يستطيع أن يلعب هذا الدور، لذا يجب أن نجد حلاً، ونحن نرفض الاعتراف به وسنجد مفتياً آخر لنا، ليصبح عندنا مفتٍ رسمي ومفتٍ آخر شعبي واعتبر أن هذه الانتخابات أسست الانقسام في الطائفة السنية ونحن سنحارب هذا إلى كل الحدود. ووصف كرامي ما يجري بأنه «غزو» أتى من الخارج وهو مخجل ومخز، وقال إنه كان يتمنى أن يكون هذا «الغزو» على أساس برنامج لخدمة هذه المدينة المحرومة. مشيراً إلى أنهم كانوا في الحكم على مدى 12 سنة، وأوصلوا البلاد إلى الإفلاس وإلى الحرمان، إضافة إلى الفساد الذي عشعش في كل أرجاء الدولة. وقال: جاءوا اليوم بكل وقاحة، وهم يستغلون دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي احترمناه وهم لم يحترموه. إلا أن كرامي بالرغم من موقفه المقاطع، اعترف أنه طور موقفه نتيجة ما اسماه «الموقف الغبي الذي شاهدناه من أهل الغزو الذين جاءوا يتحدوننا ويتحدون هذه المدينة، واعترف بأن أنصاره شاركوا في الاقتراع بالفعل، لكن الحازبين قاطعوا، وأن الذين شاركوا في الاقتراع شكلوا لوائحهم دون التقيد باللوائح الأسياسية. لافتاً إلى أن هذا هو سبب التشطيب الذي تحدث عنه البعض. أما النائب سليمان فرنجية الذي يقود المعركة ضد لائحة الاصلاح والمصالحة في دائرة الشمال الثانية، فقد اعتبر أن هذا اليوم هو يوم الحسم، وقال إنه سوف ينحني في نهاية النهار أمام إرادة الناس. مبدياً اعتقاده بأن طرابلس مدينة العلماء لا يمكن أن تصوت ضده. وتحدث فرنجية عن محاولة لتحجيمه من خلال التحريض الطائفي والأموال، وقال إن الهدف من هذه المحاولة هو سليمان فرنجية بالذات. وقال إن سوريا دعت خصومه أكثر مما دعته 50 مرة ونحن نتحداهم أن يجدوا أي شيء مالي بيننا. إلى ذلك شهدت دوائر الشمال الأخرى أجواء شديدة السخونة انعكس ذلك باقبال شديد على الاقتراع لا سيما في زغرتا والكورة والبترون وعكار. ولم يخل الأمر خلال النهار من بعض الحوادث الأمنية لكنها لم تؤثر على الانتخابات، ومنها إلقاء القبض على أحد الأشخاص وكان في حوزته قنبلة يدوية حاول أن يخرجها من حزامه ولم يتمكن من إطلاقها فتم إيقافه من قبل عناصر القوى الأمنية، وكذلك أطلق شخص مجهول الهوية يقود سيارة من طراز (بي. أم. دبليو) عياراً نارياً واحداً في الهواء في منطقة الملولة فردت قوى الجيش المنتشرة في المكان على مصدر النار، فأصيب المواطن سليم السوسي بجروح في يده نتيجة سقوطه على الأرض. وسجل كذلك اشكال فردي أمام أحد أقلام الاقتراع في حملة الغرباء في طرابلس عندما حاولت عناصر من الجيش توقيف شخصين كانا يستقلان دراجة نارية لم يمتثلا للأوامر فأطلق عناصر الجيش في اتجاههما بعض الأعيرة النارية فاصيبا بجروح طفيفة وسقطا على الأرض. وعملت عناصر الصليب الأحمر على نقلهما في حراسة أمنية إلى أحد المستشفيات.