الجو في أوروبا هو ربيع الآن. والربيع هو من أجمل الفصول وأروعها على الإطلاق. ولكن ربيع هذا العام قد يكون مختلفا. فالوضع الاقتصادي الحرج في القارة العجوز قد ترك وسوف يترك أثره على مزاج الناس هناك. ونتائج الانتخابات الرئاسية في فرنسا والبرلمانية في اليونان هي بداية الغيث. فالأسوأ في أوروبا ربما لم يأت بعد. فمنطقة اليورو، رغم صغر عمرها، هي اليوم أشبه ما تكون بالجسد الذي يحتضر صاحبه. وفي هذا المجال أود الإشارة إلى ما تطرقت إليه في مقال سابق بخصوص أن العملة الأوروبية هي مشروع سياسي أولاً واقتصادي ثانياً بهدف احتواء ألمانيا التي بدأت تستشعر القوة بعد انضمام الشطر الشرقي إليها. ولكن السحر أنقلب على الساحر. فاليورو الذي كان مخططاً له أن يمحو المارك ويكبح جماح النمر الألماني قد عزز موقع هذا الأخير بدلا من أن يضعفه. فبرلين هي اليوم من يتحكم بمصير القارة الأوربية. وهذا ربما قد يثير حفيظة وخوف من يحسبون للألمان ألف حساب. خصوصاً وأن الشعوب أو القبائل الجرمانية معروفة من أيام الفايكنج بصرامتها وشدة بأسها ومهارتها في القتال. وقد تكون المصادفة أو سخرية القدر هي وحدها التي جعلت فرانسوا وفرانسوا من يقررا مصير اليورو. فمثلما نعلم فإن الأول هو أحد مهندسي العملة الأوربية، أما الثاني فربما يشهد عهده أفول تلك العملة. أو بمعنى أخر فإن الظروف فقط قد تكون هي التي قيضت للحزب الاشتراكي الفرنسي أن يلعب على يد فرانسوا ميتران دور أحد مصممي العملة الأوروبية من أجل محاصرة النفوذ الألماني في أوروبا وهي نفس الظروف التي ربما تسخر فرانسوا هولاند للعمل على أضعاف أو إزالة الورقة المنافسة للدولار، وذلك للحيلولة دون أحكام القبضة الألمانية على أوروبا. أقول أنها قد تكون مصادفة وقد لا تكون. فالاشتراكيون عموماً، رغم كل شعاراتهم الأممية، يبقون قوميون محدودي الأفق، ولكن وبغض النظر عن الدور الذي لعبه أو قد يلعبه الحزب الاشتراكي الفرنسي فإن اليورو اليوم يعيش أسوأ لحظاته. فإذا كانت المستشارة الألمانية ميركل قد تمكنت بالوصفات التي فرضتها على أوروبا من كبح جماح حدة الأزمة في اليونان فإنه من غير معروف أولاً مدى قدرة الشعب اليوناني على تحمل كافة الضغوطات الاقتصادية المفروضة عليه. كما أنه من غير المؤكد ثانياً مدى نجاح المعونات المالية المقدمة إلى أسبانيا وغيرها في احتواء الأزمة. فتطور الأمور على هذين المسارين هي التي سوف تقرر مصير اليورو وتحدد المكانة التي سوف تتبوأها ألمانيا في أوروبا والعالم. أنه يخطئ من يضن أن الأزمة الاقتصادية المالية قد تراجعت في العالم. فهذه الأزمة لم تنشأ لقلة في القروض أو نقص في السيولة المتداولة. كلا.. فالأموال التي أغرقتها أزمة عام 2008 كانت أكثر بكثير من الملياردات التي يتم صرفها الآن. إذاً فهي أزمة منهج وليس أزمة أموال. فالصين والهند اللتان تديران اقتصادهما بشكل مختلف لا تعانيان من أي أزمة اقتصادية. وعلى هذا الأساس فإن مراهنة الرئيس الفرنسي الجديد على التنمية بدلاً من التقشف تبقى غير مفهومة وتحتاج منه إلى توضيح.