في صباح لاتؤجُّله الغيوم الصيفية الساخنة التي جاءت فوق رؤوسنا كقطنٍ مبلّلٍ بلعاب الشمس .. كان الفنان ماجد المهندس يستنجد بفيروز كي تشاركه صباحات المحبين ..هكذا تماما .. ( حبيبي صباح النور ..قوم اصحى غنّت فيروز ) بهذه الذاكرة الفيروزية المتجدّدة تسابق الجميع من شعراء وفنانين على تأصيلها في ذاكرة الغناء العربي عبر أجياله المتعاقبة منذ الظهور الفيروزي الأول ، واستثمار هذا التجذّر المتجدد في ذائقة الغناء العربي ، وأعني بها الحضور الفيروزي المستمر والمتجدد في ذائقة الغناء العربي ، على الرغم من التحولات التي طرأت على الأغنية العربية ، حينما اختطفت الصورة الكلمة واللحن منها ، وأخذتها إلى ما يشبه المشهد التمثيلي ، معتمدة في ذلك على الحضور الطاغي للصورة تحت مظلة ما يعرف ب ( الفديو كليب ) ، لكن فيروز التي تحضر في الغياب دائما لاتزال غيمة الصباح الشفافة عند كل الأجيال وهو حضور جمعي لم يحققه فنان عربي قبلها ، ففيروز التي تناثر صوتها دائما بين القصيدة العربية وفضاءاتها الوجودية من جهة ، والموسيقى ( المركّبة ) أحيانا وصوتها القادر على فعل كل شيء لها من جهة ثانية ظلت دائما وجهة الأذواق المختلفة لأنها استطاعت وبذكاء مدهش تحويل مفهوم الحب في الأغنية العربية من حب الآخر إلى حب الوجود فيه ، وهو بعد رؤيوي جعل من الأغنية الفيروزية دائمًا المكان والزمان والبحر والفصول وأخيرًا ( الآخر الحبيب ) ، فحققت بذلك تداعيًا أبديّا تأصَّل في الذائقة العربية ، فضلا عن تموجّات اللحن ومدارسه وتجريب المبدعين فيه جرّاء قدراتها الصوتية الخارقة التي ظلّت دائما قادرةً على استيعاب كل التجارب الموسيقية ولا سيما ( الجنون الموسيقي للرحابنة ) ومحاولاتهم الجادة فتح آفاق جديدة في الموسيقى العربية من خلال تلك القدرات الفيروزية المتفرّدة ... أعود إلى القول بأن ظاهرة الاتفاق المثير بين أجيال المستمعين صغارًا وكبارًا ، جيل الفيديو كليب أو جيل الستينات ، على الصوت الفيروزي كان دافعًا قويّا لاستحضارها كي تكون شاهدة دائما على اللحظة الوجودية في الحب عند شعراء العربية ، فلا أخال شاعرا عربيّا لايجد في أغنياتها فضاء شهيّا لقصيدته ، ولا أخال فنّانا حقيقيا لا يتقاطع معها في شجنه ، حتى وإن كان عاجزًا عن البلوغ إلى مراتب صوتها الساحر ...