لايُصنف «ساركوزي» الرئيس الفرنسي السابق صديقاً أو عدواً للعرب، لكنه حليف واضح لإسرائيل وتابع للسياسة الأمريكية ولم يكن بموازاة أو أهمية رؤساء سابقين مثل ديجول ومتران أو جاك شيراك بل كان (براغماتياً) يحاول ان يؤسس لنهج جمهوري جديد بقطيعة مع الماضي وهو أحد أسباب هزيمته، لأن من سبقوه كانوا يريدون الإبقاء على استقلالية بلدهم ووضعها في الواجهة العالمية، مدركين ان تفرد أي دولة بالشأن الدولي يضر بهم ويضعهم على هامش الأحداث.. فرنسا مهمة لدول الاتحاد الأوروبي، لأنها مع ألمانيا تشكلان عصب هذا التجمع القاري، وتتحملان مسؤولية النهوض به وتحمل تبعات ديونه وتنظيمها لكنها بالنسبة لمجالها السابق في القارة الأفريقية، لم تعد ذلك المحرك الأساسي للناطقين بلغتها وإشاعة ثقافها، لأن دورها المادي لم يعد منافساً لأمريكا والصين، وهما من دخلا سباقاً ساخناً في قارة لاتزال بكراً في مواردها الطبيعية.. الرئيس الجديد (هولاند) قد لا يغير المعالم الثابتة للسياسة الفرنسية طالما عرف ميزان قوة بلده أمام قوى ناشئة دخلت مجال التحرك أمام الأزمات العالمية، حين نجد روسيا بدأت تتجه للحصول على فرصتها في المناطق الساخنة، سواء محيطها من البلدان التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي، أو سوريا كنموذج لامتداد بعيد عنها، والصين لا تريد أن تكون قوة اقتصادية فقط، بل كيان مؤثر على الساحة الدولية، وكل من روسيا والصين استغلتا الأزمة الاقتصادية التي عصفت بدول حلف الاطلسي لتمررا مشاريعهما في مناطق مختلفة من العالم، كشأن أي قوى تبحث عن مجال حيوي جديد يعزز وجودها في ظروف صعبة لمنافسيها.. بالنسبة للمنطقة العربية وربيعها نجد الدور الفرنسي ظهر في ليبيا فقط، وربما ان إشاعة أموال القذافي التي اتهم بها ساركوزي في استغلالها في حملته الانتخابية، جزء من الاطاحة به، لكنها، ورغم تداخل سياساتها التاريخية مع دول المغرب العربي وسوريا ولبنان باعتبارها من مستعمراتها القديمة، لا نرى حضورها بارزاً، وحتى الصراع التاريخي مع إسرائيل بقي هامشياً من الاهتمامات الفرنسية. مما يؤكد لنا أن قدرة تأثيرها لم تعد بحجم قادتها السابقين وخاصة الرئيس شارل ديجول.. التعامل مع أي دولة أوروبية، قد يكون ثنائياً بعيداً عن قيود الاتحاد، لكنك تتعامل فعلياً مع دول القارة كلها، وهذا قد يعطي فرنسا قيمة نسبية، ويتضح ذلك في الموقف من إيران إذ إن صوتها رفيع مستمدة ضغطها من تلك الدول، لكن أمريكا تظل التأثير الأكبر بسبب نفوذها الاقتصادي والعسكري، وهي وإن اختلفت مع حلفائها زمن بوش الابن، إلاّ أنها مع أوباما تسيران بالاتجاه الواحد، وفي العموم ففرنسا قوة متوسطة قياساً بغيرها، والرئيس الجديد ربما يعيد لها بعض وهجها ونفوذها..