هل يحفز المرض على الإبداع , أو أن الإبداع يجلب المرض ؟! أعتقد أن العلاقة بين المرض والإبداع علاقة غير صحيحة , فالمبدع هو إنسان حباه الله بالموهبة التي تدفعه نحو الإبداع , ويمكنه بعد ذلك تنميتها وصقلها . أما المرض فقد يأتي في أي وقت , وقد يسبب الكثير من الإحباط أو التوقف عن العمل . لكن المبدع الحقيقي هو ذلك الذي يتغلب على المرض بقوة الإرادة , ويستطيع أن يجعل إبداعه مفيداً ومثمراً من أجل الآخرين . والإبداع وليد الخيال والتفكير , وليس وليد المعرفة فقط , فالمعرفة محدودة بزمن محدد , وربما في مكان معين , قد تتجمد أو تتطور , ولذلك يقول العالم الفيزيائي المشهور البرت اينشتاين :" الخيال والتصور أكثر أهمية من المعرفة , فالمعرفة محدودة , أما الخيال فيطوف ويدور حول العالم " . وأعرض هنا لبعض العلماء والأدباء والفنانين الذين أبدعوا رغم أمراضهم أعمالاً وأفكاراً ونظريات ولوحات فنية لا زالت تشهد بإبداعهم الذي تخطى المكان والزمان لمصلحة الإنسان . فالفيلسوف والعالم الفرنسي ديكارت كان عالماً ورياضياَ وفيلسوفاً بارزاً بالرغم من تعرضه لبعض الأمراض حتى إنه توفي بمرض عضال غير معروف عام 1650م. وقد أطلق عليه المؤرخون والنقاد (أبو الفلسفة الحديثة) . وبالرغم من أن ديكارت لم يؤلف كتاباً في التربية , إلا أن مبادئه الفلسفية – وخاصة رسالته في المنهج – قد أحدثت تأثيراً كبير في تاريخ التربية . كما أن قواعده في البحث عن الحقيقة كانت أساساً للتربية الحديثة , التي تهدف إلى تدريب العقل على التفكير العلمي المنظم . أما العالم الفرنسي باسكال فقد كان يشكو من بعض الآلام في معدته , وقد وضع اساس النظرية الحديثة في قياس درجات الاحتمال , وابتكر المثلث الرياضي (مثلث باسكال), وهذّب حساب التفاضل والتكامل . أما العالم الإنجليزي الشهير اسحق نيوتن صاحب نظرية الجاذبية فقد كان مصاباً بمرض التوحد الذي أصاب ايضاً العالم الفيزيائي الشهير البرت اينشتاين مبدع النظرية النسبية , ويبرز العالم الفيزيائي نيلزبور كأحد عباقرة الفيزياء وصاحب نظرية بناء الذرة , والذي كان يعاني من مرض الزهايمر . ومن الأدباء البارزين الأديب والكاتب العربي أبو حيان التوحيدي الذي كان وزيراً ولكنه كان مصاباً باكتئاب حاد أدى إلى حرق كتبه , وقد أبدع عدداً من الكتب القيمة مثل الإمتاع والمؤانسة , والصداقة والصديق ... إلخ . أما الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي فقد مات بداء الصدر في سن مبكرة , وكان شعره يمثل صراع الشباب مع الموت , والحزن مع الفرح , والأمل مع اليأس , ويقول في احدى قصائده الملهمة :-: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ومن الرسامين المبدعين الرسام الإيطالي مايكل آنجلو وكان رساماً ونحاتاً وشاعراً ومهندساً , وكان يشكو من مرض التوحد واضطراب الوجدان , ومثله الهولندي فان جوخ الذي كان يشكو من الصرع واضطراب الشخصية ماد دفعه إلى قطع أذنه ليهديها إلى محبوبته , ومات فقيراً رغم أن إحدى لوحاته بيعت ب(82) مليون دولار . وكان الرسام الأسباني المبدع بيكاسو يعاني من انفصام في الشخصية . أما الروائية جيه كي رولنج صاحبة سلسلة روايات هاري بوتر فقد كانت مصابة باكتئاب حاد , لقد كانت سيدة عاطلة عن العمل ثم تحولت حياتها فجأة إلى الثراء لتصبح من أغنى أغنياء بريطانيا , ولتتجاوز ثروتها المليار دولار , وتصبح أول مليارديرة في العالم بممارسة مهنة الكتابة فقط . وهكذا فإن المرض لايمكن أن يعيق الإبداع وربما يصبح المريض المعاق أكثر ابتساماً للحياة مع إصرار على العمل المنتج ...