أول مرة تعرفت فيها على توماس ترانسترومر كانت قبل خمسة أعوام، حين حدثني عنه الشاعر اللبناني عباس بيضون الذي كان يحمل معه الأعمال الكاملة لترانسترومر، وهي في مجملها (الأعمال الكاملة) لا تصل الى حجم ديوان شعري واحد من دواوين شعراء الحداثة العربية. قال عباس يومها أعمال هذا الشاعر كلها لا توازي أعمال الشاعر (؟!.. ) ذاكراً اسم أحد الشعراء صغيري السن في بيروت من الذين يصدرون كل مطلع سنة ميلادية ديواناً مزيناً باسمه. وطبعاً، اختار عباس يومها شاعراً لا وزن له لا في بيروت ولا في قريته. يومها لم أقرأ اعمال ترانسترومر التي كان يحضنها عباس كما لو أنه عثر وبشكل مفاجئ على كنز دفنه القراصنة في بحر الشمال قبل قرون طويلة. نهاية الأسبوع الماضي كانت بيروت على موعد مع الشاعر كما كانت اللغة العربية على موعد مع أول ترجمة للعربية شملت اعمال هذا الشاعر الأسوجي المجهول في لغتنا. رغم أنه مرشح دائم لنيل جائزة نوبل ومترجم الى حوالي خمسين لغة عالمية. ولكن بما أننا دول نامية حتى ثقافياً فإننا سعداء بأن تأتي هذه الترجمة بمجهود شخصي من قاسم حمادي ومراجعة أدونيس (علي أحمد سعيد) ومتأخرة خير من أن لا تأتي أبداً ونبقى جاهلين شاعراً يعتبر اليوم من أكبر شعراء العالم. الأمسية الدافئة التي تمت فيها قراءات لقصائد ترانسترومر بصوت المسرحية نضال الأشقر وعلى خشبة مسرح المدينة الطليعي، بصوتها القوي والصارخ ولكن الحميم في نبرته المسرحية والمشرقي في عنفوانه الشجي. الى صوت أدونيس القادم من شعر العقل والتفكير. كذلك باللغة السويدية التي أخترقت مشرقية المسرح وحداتثه بصوت مونيكا ترانسترومر، الزوجة الصبورة التي حملت حياة شاعرها بكل حب كما يقول قاسم حمادي في مقدمة الكتاب البالغة القصر والإيجاز.