في الوقت الذي تعمل فيه جميع دول العالم على جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، وتوفير العديد من المزايا مثل تأمين حد معقول من السرية في الحسابات والتعاملات المالية، فإنها تشدد في الوقت نفسه الرقابة على المؤسسات المالية للتأكد من تطبيق الانظمة والقوانين التي تضمن سلامة النظام المالي وحمايته من جرائم غسيل الأموال لخطورة تسرب الأموال المغسولة الى الاقتصاد الوطني مما قد يؤدي الى اختلال نمط الانفاق ونقص المدخرات اللازمة للاستثمار في الانشطة الاقتصادية الهامة، حيث يتسبب خروج الأموال المغسولة من الاقتصاد في زيادة العجز في ميزان المدفوعات ونقص احتياطي الدول من العملات الاخرى، كذلك تؤكد الدراسات ان غسيل الأموال يؤدي لانخفاض الانتاجية وزيادة البذخ وارتفاع الاسعار المحلية وحدوث ضغوط تضخمية في الاقتصاد الوطني وزيادة الفجوة بين الاغنياء والفقراء مما يؤدي بدوره الى عدم وجود استقرار اجتماعي وقلب ميزان البناء الاجتماعي في البلاد بصعود القائمين على غسيل الأموال وتراجع غيرهم من ابناء الوطن الى اسفل القاعدة مما قد يؤدي الى اهتزاز القيم الاجتماعية المستقرة في المجتمع وانعدام الروابط بين افراد المجتمع وعزوف الأفراد عن القيام بالانشطة المشروعة الامر الذي يؤدي الى تفشي ظاهرة الانانية وتصبح مصلحة الوطن والانتماء اليه في الدرجة الثانية. وتساهم عمليات غسيل الأموال ايضاً في شيوع ظاهرة تحدي القانون والتمرد والاستهانة بالسلطة الشرعية وعدم الرغبة في التمسك بالانظمة والقوانين المعمول بها كذلك تساهم الرشوة التي تدفع في عمليات غسيل الأموال في تدمير النسيج القيمي والاخلاقي في المجتمعات واخيراً فإن غسيل الأموال يعتبر عاملاً اساسياً في عدم الاستقرار السياسي وزيادة التوتر الأمني حيث انه غالباً ما ترتبط جرائم غسيل الأموال بحدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية مثل حركات الارهاب والتطرف والجريمة المنظمة ونشاطات المافيا العالمية. وتبدأ مكافحة هذه الجريمة على المستوى التنظيمي باصدار انظمة وقوانين مكافحة جرائم غسيل الأموال وتفعيل دور الجهات القضائية ومنحها صلاحيات تجريم ومعاقبة المؤسسات المالية المتورطة في هذه الاعمال ومصادرة الأموال ومعاقبة الجناة وتطوير الاجراءات القانونية التي تنظم اعمال البنوك ومتابعة اداء المؤسسات المالية للتأكد من تطبيق الانظمة ومراقبة التدفقات المالية الداخلية والخارجية ورصد حركة الأموال غير المشروعة من خلال استحداث آليات عمل مصرفية حديثة تضمن شفافية مصادر رؤوس الأموال وفي الوقت ذاته تحرص على سرية المعاملات من خلال تدريب وتطوير المتعاملين في البنوك على اعلى مستويات لمكافحة جرائم غسيل الأموال والتأكيد على البنوك باخطار الجهات المختصة بمكافحة جرائم غسيل الأموال عن اي عملية مشبوهة وتوفير المعلومات المهمة عن التحويلات الالكترونية. وتبدأ محاربة هذه الظاهرة الخطيرة على المستوى المالي والاقتصادي والاجتماعي خاصة مع تطور الجريمة مع زيادة التقدم العلمي والتكنولوجي والقضاء عليها من جذورها باستخدام التدابير الوقائية والعلاجية والاستفادة من التقنية المعلوماتية حتى تتماشى الحماية الجنائية مع تطور الجريمة وتطور اساليبها ونخلص الى ضرورة تكاتف الجهود والتنسيق بين المؤسسات المالية والأجهزة الأمنية والقضائية في كل ما يتعلق بجرائم غسيل الأموال والعمل على تطوير وتحديث انظمة الحسابات المصرفية بما يتوافق مع سرية هذه الحسابات وشفافية مصادر هذه الأموال وضمان شرعيتها وتدريب العاملين في البنوك والمؤسسات المالية على الأساليب الحديثة لكشف محاولات غسيل الأموال وضروة الاستفادة من الخبرات العالمية في هذا المجال. [email protected]