أول / وآخر مرة / شاهدت فيها فيلم "هاري بوتر" كان في عام 2002.. كان أول جزء من سلسلة أفلام ناجحة عن ساحر صغير يحمل نفس الاسم لمؤلفة بريطانية مجهولة تدعى جوان رولينج. ولأن الفيلم يدور في عالم السحر والفنتازيا لفت انتباهي أن الصحف اليومية - في الفيلم - تتضمن صورا متحركة تشرح الخبر أثناء قراءته.. فحين تقرأ مثلا خبرا عن كارثة طبيعية تبدأ الصورة الرئيسية في الصحيفة بالتحرك كشاشة تلفزيونية بحيث ترى غمر المنازل بالفضيانات ونزول الحمم من البركان!! ... أعجبت حينها بسعة خيال المؤلف والمخرج ولكنني في ذلك الوقت اعتبرتها من قبيل الخيال وحلما يصعب تحقيقه قبل خمسين عاما من الآن!! ولكننا الآن في عام 2012 (وظهر الجزء السابع من الفيلم) وأصبح مايعرف بالورق الإلكتروني حقيقة واقعة.. وهذا النوع من الورق يصنع من بلاستيك مرن أقل استهلاكا للطاقة وأكثر راحة للعين - ويفتح الباب لتحديث الصحف والمجلات والكتب والموسوعات الإلكترونية بشكل تلقائي ومستمر- ، ويرجع تاريخ اكتشافه إلى منتصف السبعينيات حين لاحظت شركة زيروكس قدرة بعض اللدائن المشحونة على تغيير لونها بحسب الضوء الساقط عليها.. غير أن شركة سوني اليابانية كانت السباقة في استخدام هذه التقنية في منتجاتها عام 2004. وفي السنوات التالية بادرت شركات أخرى لاستخدام الورق الإلكتروني في أجهزة كثيرة أبرزها الهاتف المحمول والساعات اليدوية والملصقات الدعائية وقارئات الكتب الإلكترونية.. ورغم أن هذه التقنية ظهرت أولًا في أمريكا (وتحديدا من خلال شركتي زيوركس وآي إنك) إلا أنها ازدهرت - كالمعتاد في شرق آسيا . واليوم تحمل سوني وسامسونج لواء التطوير وأنتجتا بالفعل أجهزة كهربائية كثيرة تعتمد على الورق الإلكتروني من ضمنها كمبيوتر ضوئي من انتاج سامسونج.. وعاما بعد عام تتقدم تقنية انتاجه حتى أصبح اليوم رقيقا جدا (بسمك ثلاث أوراق عادية) ومرنا جدا (بحيث يمكن طيه كأسطوانة) وواضحا جدا (لدرجة يتفوق على الأوراق العادية فيما يخص الكلمات المطبوعة).. ومواصفات كهذه تعني - ضمن ما تعني - إمكانية صنع هواتف ذكية وكمبيوترات لوحية ولوحات مفاتيح يمكن طيها في الجيب .. في حين يمكنك وضع هاتفك المحمول في المحفظة بفضل سمكه الذي لن يتجاوز بطاقة الصراف!! أما الخطوة القادمة للشركات المتنافسة فستكون تسويق صحف وكتب حقيقية تستعمل هذا النوع من الورق.. وهذا يعني أن صحيفة المستقبل لن تختلف كثيرا عن صحيفة هاري بوتر المتحركة، ويمكن تحديثها تلقائياً من خلال المعلومات التي يرسلها المصدر عبر الأمواج اللاسلكية .. أما الكتاب الإلكتروني فسيلغي الكتاب الورقي كونه سيوازيه في البساطة، ويتفوق عليه في احتوائه على آلاف الكتب الرقمية التي تقرأها بالتناوب على ذات الصفحات .. أما الموسوعات وكتب الأطفال المصورة فستصبح متعة حقيقية كونها تقدم صورا وأحداثا متحركة في كل صفحة تقلب عليها - خصوصا حين يترافق ذلك مع أصوات وموسيقى تصويرية!! ... وكل هذه التقنيات ليست من قبيل الخيال أو التخمين كون الورق الإلكتروني أصبح اليوم حقيقة واقعة وتقنية مطبقة (ويمكن مشاهدته بنفسك بإدخال هذه الجمل في صور جوجل Electronic Paper, E-Paper, أو E-ink) !! ورغم أن الورق الإلكتروني مايزال في بدايته (وأغلى كثيرا من الورق العادي) إلا أن الأبحاث المتواصلة (وأيضا الارتفاع المتواصل في سعر الورق الطبيعي) سيضمن نجاحه وانتشاره مستقبلا... وللمقارنة فقط .. وصلت كلفة الجريدة التي بين يديك الآن الى 4 ريالات، في حين لن تحتاج مستقبلا إلا لجريدة إلكترونية واحده تُحدث نفسها 24 مرة في اليوم..