سيأتي اليوم الذي لا نعرف فيه الصح من الخطأ، سيختلط فيه عباس مع دباس. هذه ليست نبوءة أو نظرية أطرحها. كلام مكرر معاد حتى فقد معناه. ما ألاحظه في التويتر تدفق كمية كبيرة من المواقف السلبية ضد كل شيء وأي شيء في البلاد. كتّاب الإنترنت بعضهم معروفون، وبعضهم نكرات مشبوهون. تشابُه ما يكتبه المشبوهون مع ما يكتبه المعروفون ينذر بحالة تستوجب القلق. معظم صغار السن يستخدمون الإنترنت. قليل من هؤلاء الصغار يأخذ احتياجاته الإعلامية من الصحف الورقية أو حتى من القنوات الفضائية المحترمة (حسب تقديري طبعا) . من حسن الحظ أو من سوئه أن المخاوف التقليدية خفتت. لم نعد نسمع ,كثيرا, من يولول ويهول من حكاية المواقع الفاسدة والراقصة والخنا وغير ذلك. ارتفع سقف المخاوف. سمعت أن قبضة الهيئة مازالت ملقاة على الرسيفرات في سوق السليمانية بالرياض. تذكرني هذه الحالة بخط ماجينو الفرنسي الشهير الذي اقامه الجيش الفرنسي لصد أي غزو الماني لبلادهم. في عز مفاخرتهم بخطهم الدفاعي فوجئ سكان باريس بالجيش الألماني ينتشر في شوارعهم. ترك الجيش الألماني خط الحدود الفرنسية - الالمانية للفرنسين المزهوين واحتل بلجيكا وعبرها دخل إلى فرنسا. هذا ما فعلته الإنترنت بقوة الرقابات المختلفة في المملكة. الكتب والصور والرأي دخلت في عمق المجتمع في المملكة عن طريق بلجيكا مع بقاء الهيئة ورقابة الجرائد ووزارة الإعلام في أماكنها متمترسة على خط ماجينو. أصبح امر الهيئة وأجهزة الرقابة المختلفة شبيها بقصة مسرحية إدارة عموم الزير. القصة باختصار: أن سلطانا محبا للخير أوقف زيرا في طريق الحجيج وعين له ساقيا يهتم بأمره. بعد فترة بدا على الساقي الإرهاق فعين مساعدا له ثم عين ساقيا ثالثا يتناوب مع زميليه ثم اضطر السلطان أن يعين مديرا للسقاة ثم مديرا لشؤون الموظفين ثم عين مديرا عاما وأخيرا قامت إدارة ضخمة عرفت بإدارة عموم الزير. مع الزمن تغير طريق الحج وفقد الزير قيمته. جف واندثر ولكن إدارة عموم الزير استمرت(موظفين وأوراق وترقيات وجموس). هذه حالة الرقابة في المملكة بكل أشكالها: الثقافية والأخلاقية والاجتماعية. تستطيع الآن أن تقرأ ما تريد وتتفرج على ما تريد، وتقول ما تريد. هذه ليست المشكلة في رأيي. ما يهم في نظري على الأقل هو الموقف السلبي الشائع في كل مكان. من الصعب أن تدخل مجلس رجال أو نساء, كبارا كانوا أو صغارا دون أن تسمع نقداً. النقد ضرورة وبناء ولكن إذا ترك دون عناية أو ترتيب يتحول إلى احباط. الإنترنت تغذي هذا الاحباط دون مقاومة من أحد. نحن في الصحف الورقية مازلنا نقف على خط ماجينو متمترسين بمفهوم الإعلام القديم. نحمل شعار: (الحرية المسؤولة). وهي في الحقيقة ترجمة لكلمة الرقابة الشاملة. كتّاب الصحف يعرفهم المجتمع ويعرف توجهاتهم وأخلاقياتهم ومع ذلك بقوا كالجنرالات الفرنسيين. كل مقال يكتبه هؤلاء يمر على الرقابة كأننا في الثمانينيات. في الوقت الذي يتمتع فيه الأفّاقون والمشبوهون بحرية إعلامية كاملة. بدأ هذا الوضع يهمش الصحف الورقية ويلقي بها في الماضي. لمواجهة الاحباط المتنامي يجب تغيير النظرة لكتاب الصحف والمنتديات الرسمية. تركهم بدون رقابة. كل كاتب مسؤول عما يكتبه. نواجه الحرية بالحرية. ستنتصر المسؤولية والخبرة التي يتمتع بها كتاب الصحف على الغوغاء والمشبوهين .عندئذ سيثق الشاب في الصحف ويعتمدها مصدره الأساسي للرأي. فلنحذر انتشار الاحباط. هذا معرفي الوحيد في التويتر( a4bakeet) وعذراً على الإطالة.