من المسلم به أن جميع الكائنات الحية بجميع تصنيفاتها تسعى من أجل البقاء بالوسائل والطرق المختلفة والبقاء في أغلب الأحوال للأقوى حتى وإن تم تمليحها وجعلها للأصلح. ولذلك فإن الحياة تعج بجميع أنواع الصراعات على اختلاف أنواعها ومسمياتها، والفرق الوحيد الذي يبرر صراع الكائنات الحية المختلفة وصراع الإنسان من أجل البقاء أن الكائنات الحية في صراعها تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي الآني، أما الإنسان فإنه يسعى من خلال صراعه إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الآني والمستقبلي، ومن هذا المنطلق فإن الصراع يعتبر سنة من سنن الحياة. المؤامرة هي اسم يطلقه الضحية على جلاديه بينما هي عند المتآمر كفاح ونضال من أجل تحقيق مصلحة، فإسرائيل عندما تتآمر على العرب فهي تسعى لتحقيق مصالحها العليا وضمان مستقبل أجيالها وقدرتها على التوسع وتهميش الشعوب المحيطة بها حتى لا تقاومها نعم المستقبل شيء افتراضي يسعى الإنسان من أجل تحقيقه بوسائل وطرائق وآراء وفلسفات وخطط وبرامج وتوقعات وأبحاث ودراسات مع الأخذ في الاعتبار احتمالات الفشل والنجاح، على أن لكل من الفشل والنجاح عوامله ومبرراته، وفي كل الأحوال يظل تحقيق كل من النجاح والفشل نسبيا.. وإذا انتقلنا إلى حلبة الصراع على المستوى الدولي نجد أن ذلك الصراع دائر منذ الأزل وسوف يستمر إلى الأبد. ولذلك فإن تحقيق ما يُخطط له مستقبلاً بالنسبة للدول قد يتعارض مع مستقبل دول وشعوب أخرى ولذلك يحدث الاحتكاك والصراع، وهذا الاحتكاك والصراع قد لا يعتمدان على القوة العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية فقط، بل إن قوة الرأي والفكر ربما تلعب دوراً أهم من قوة السلاح حيث يمكن بواسطتها تحقيق الطموحات المستقبلية، لأن قوة الرأي والفكر والتخطيط والاستعداد أقوى وأمضى من القوة العسكرية البحتة.. من هذه المنطلقات نستطيع القول إن دفة الصراع بين بني البشر على هذا الكوكب المضطرب تدار من قبل جهابذة الفكر الاستراتيجي والمخابراتي مدعومة بالعلم والتقنية ومعززة بالقوة العسكرية والحراك السياسي كظهير. إن جميع ما يحققه العالم من إنجازات علمية يحقق التقدم والرخاء، وجميع ما يشوب العالم من صراعات وما يعانيه من تطرف وإرهاب وحروب تقف خلف كلّ منها أفكار تعتبر نيرة إذا حققت التقدم والرخاء وتعتبر مظلمة إذا حققت البؤس والشقاء بصرف النظر عن الفاعل. لذلك فمن المفترض أن يتحد العالم لمحاربة الأفكار المظلمة ويضع يده بيد بعض من أجل المصلحة الإنسانية، إلا أن ذلك لا يتوافق مع تحقيق كلّ مصلحته الآنية والمستقبلية، ومن هنا يأتي دور المؤامرة في إدارة حلبة الصراع. نعم الأسد يتآمر على ضحيته من أجل أن يشبع وكذلك الحال في جميع صراعات الحيوانات الدقيقة والصغيرة والكبيرة ، والإنسان ليس ببدع عن ذلك حتى وإن سطر الدساتير النيرة واحتكم إلى الديمقراطية النسبية فلكل منها إيجابياته ونواقصه والقانونيون جاهزون في سبيل المصلحة العليا للتبرير والتفسير مدعوماً ذلك بعجلة إعلام رهيبة تحوّل الحق إلى باطل، والباطل إلى حق خصوصاً إذا ارتبطت بالقوى الصهيونية التي هي الأخرى تتآمر من أجل تحقيق مصالحها في الشرق الأوسط وغيره إلا أن تركيزها على الشرق الأوسط هو الأهم في المرحلة الحالية بسبب وجود إسرائيل. الحركة الصهيونية اختطفت الدول والشعوب من خلال امتلاك وسائل القوة المتمثلة بالعلم والمال والإعلام. ومن خلال امتلاك ذلك الثالوث المتكامل تحقق لها امتلاك ناصية السياسة في أمريكا والدول الأوروبية. ومن يقف ضدها يذهب طعمة تلك العوامل ويداس بعجلات تلك العربة المدرعة بالعلم والمال والإعلام والسياسة، والمعززة بالقوة العسكرية والاستخباراتية. إن وجود إسائيل كدولة محتلة ومغتصبة يفرض عليها اليقظة والاستعداد كجزء من صراع البقاء الذي تخوض غماره والذي من أبسط إبجدياته إجهاض الجانب الآخر من الصراع وهم العرب بكل الوسائل غير المشروعة والتي منها استعداء الدول التي تمكنت الحركة الصهيونية من ترويضها واحتلال ناصية القرار فيها مثل أمريكا وأغلب الدول الأوروبية. وهذا الكلام ليس مجرد تكهنات، أو توقعات بل هو حقيقة لا مراء فيها وليس أدل على ذلك أن رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة ضد إسرائيل وممارساتها، ليس هذا فحسب بل إن جميع الحكومات الأمريكية تدعم إسرائيل بجميع ما تحتاج من الإبرة وحتى الطائرة، وتقف خلفها في الأمم المحدة والفيتو الأمريكي جاهز لتعطيل أي قرار ضد إسرائيل حتى وإن كان مجرد حبر على ورق، وكل ذلك يتم على حساب مصلحة الشعب الأمريكي الذي يدفع الضرائب فتذهب لتحقيق المصالح الإسرائيلية وذلك على الرغم أن تعداد اليهود الأمريكيين لا يتجاوز (6) ملايين نسمة أي ما يعادل 2٪ من عدد السكان هناك، وبسبب سيطرة اللوبي الصهيوني على مسارات الاقتصاد والسياسة في أمريكا تم غزو العراق وخلق الفوضى فيه وتسليمه على طبق من ذهب إلى الإيرانيين تحت طائل تحريره من حكم صدام، فهل أصبح الوضع أفضل أم أسوأ تحت حكم نوري المالكي؟ واليوم يخوض الشعب السوري البطل الكفاح من أجل إسقاط حكم حزب البعص العلوي الانكشاري ولكن الخوف كل الخوف أن يتم تسليم مقاليد الأمور هناك إلى تركيا أسوة بما تم في العراق، فالمؤامرة أو استغلال الفرص يدور على قدم وساق، والعمل يجري من أجل خلق استقطاب طائفي يمتد من إيران إلى لبنان ويتمتع بعدائه للسنة من خلال مواقف كل من إيران والعراق وسورية وحزب الله، وبالتالي فإن ذلك سوف يشكل تكتلاً يخلق استقطاباً في المنطقة يجيّر لصالح إسرائيل والقوى التي تدعمها والتي غضت الطرف عن التسلح الإيراني وتمدد حزب الله وتحالف سوريا معها حتى استفحل الأمر. إن ذلك التخاذل يدل عليه أيضاً التخاذل في دعم الشعب السوري بما يشير إلى رغبة في بقاء حكم البعث برئاسة بشار الأسد من قبل تلك القوى بعد أن تحقق المبتغى وهو تعزيز الانقسام والعداء ورميه في أحضان إيران وتوجهاتها التوسعية التي لا تشمل بأي حال من الأحوال المصلحة العربية الكبرى أو الصغرى على أقل الإيمان. إن جهابذة الفكر الاستراتيجي يدرسون النواحي النفسية والاجتماعية لقادة وشعوب المنطقة، ويعززون ذلك بدراسة الفسيفساء الطائفية والعرقية والخلافات الحدودية حتى يستخدموها في اجندتهم التي يخلقونها أو التي يستغلونها عند حدوث حراك تلقائي في أي بلد من البلدان. كما أنهم لا ينسون الاستعانة بالتاريخ من أجل إحياء ما تم نسيانه. نعم المؤامرة هي اسم يطلقه الضحية على جلاديه بينما هي عند المتآمر كفاح ونضال من أجل تحقيق مصلحة، فإسرائيل عندما تتآمر على العرب فهي تسعى لتحقيق مصالحها العليا وضمان مستقبل أجيالها وقدرتها على التوسع وتهميش الشعوب المحيطة بها حتى لا تقاومها. ولذلك فإن الملوم في المقام الأول هو الذي ضعف حتى أصبح ضحية للمؤامرة فلو استعد وهزم المؤامرة لأصبح هو المتآمر لأنه تآمر من أجل تحقيق مصلحة أمته، وسعي من أجل حماية مستقبله ومقدراته ومنع امتهان كرامة أمته التي أصبحت محط أنظار كل متآمر يسعى لتحقيق مكاسب تصب في صالح مستقبله وإن هدمت بيوت الآخرين على رؤوسهم. نعم إن المرء ليستغرب ضحالة فكر وقصر نظر بعض من ينظر إلى ما يدور في الشرق الأوسط من صراع على أنه بعيد كل البعد عن المؤامرة كما عرّفناها آنفاً، رغم أنها تصم الآذان وتزكم الأنوف، والأبعد من ذلك استمرار التراخي عند البعض الآخر على مستوى الجماعات والدول تجاه الاستعداد للاسوأ من خلال القدرات الذاتية وعدم الاكتفاء بالتحالفات الخارجية لأن القوة الذاتية هي الأبقى أما التحالفات فإن أهم روابطها المصلحة والأخيرة قد تتغير بين عشية وضحاها. إن الشرق الأوسط أصبح ملغماً بالاستقطاب والإرهاب والوعود والتدخل والتقسيم وإعادة رسم خريطته كما نشرتها مجلة الجيش الأمريكي عام (1990م)،أو كما تنبأت بها رواية كارثة 1979 (Crashof 79) التي كتبها بول أدمان والذي تنبأ من خلالها بامتلاك إيران قوة نووية، وطموحها للاستيلاء على الخليج واستخدام تلك القوة لتحقيق ذلك الغرض. والجدير بالذكر أن تلك الرواية مترجمة إلى اللغة الفارسية ربما حتى تتم الاستفادة منها كتجربة. وهذا يدعونا إلى أن تقوم الأجهزة المعنية لدينا بمتابعة مثل تلك الاصدارات وإعداد تقارير عنها وإيصالها لمن لديه القدرة التحليلية على أن يكونوا من ثلاثة أنواع النوع المتشائم الحذر، والنوع المعتدل المتوازن، والنوع المتفائل المتريث ثم تعقد ورشة عمل حولها لدراسة أبعادها التي تلخص على شكل تقرير يرفع إلى أصحاب القرار كل حسب مسؤوليته لاتخاذ ما يراه مناسباً. حمى الله وطننا قيادة وشعباً، ورد كيد الأعداء عنا وحمانا من أنفسنا، وعزز وحدتنا وتكاتفنا ووقوفنا صفاً واحداً خلف قيادتنا لحماية أمننا وديننا ومكتسباتنا.. والله المستعان.