كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن قيادة المرأة للسيارة، وأصبحت هذه القضية هي حديث الساعة بين الناس في يومنا هذا، تابعت ما طرح وكان هناك - كعادتنا - قدر هائل من الأخذ والرد والشد والجذب دون الوصول إلى نتيجة رغم أن الموضوع ليس بهذا القدر من التعقيد.. الملاحظ أن هناك ثلاث فئات كل فئة لها موقف معين من هذا الموضوع.. فالفئة الاولى مؤيدة تماماً بلا قيد أو شرط، الفئة الثانية موافقة ولكن تحت ضوابط وقيود معينة، الفئة الثالثة رافضة للموضوع جملة وتفصيلاً.. في البداية وقبل الدخول في أي نقاشات لننظر لأصل المسألة في الشرع هل هي الاباحة أم التحريم؟.. ان كان هناك نص قرآني أو حديث شريف يفيد بتحريم استخدام المرأة لوسائل النقل فأرى أن نترك هذا الموضوع ولا نتحدث فيه نهائياً استناداً على تحريمه بنص واضح من الكتاب أو السنة وان كان غير ذلك فلا ضير من مناقشته بهدوء معتمدين على حوار العقل المقنع قبل العاطفة.. وبما انه - حسب علمي - لا نص قرآني أو حديث شريف أتى بتحريم مثل ذلك قياساً بأن المرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تستخدم وسائل النقل المتوفرة آنذاك ولم يكن ذلك اثماً منكراً.. اذن فليدلي الكل برأيه بهدوء من غير تعصب كما يفعل البعض وكيل التهم واستخدام الكلمات في غير محلها، مع العلم انه ليس من حق أحد منع آراء الآخرين ومصادرتها، وأيضاً بعيداً عن ما يفعله البعض الآخر من الغمز واللمز بالدين واقحامه كسبب بلا مبرر.. الاولى لنا أن نعالج قضايانا بحكمة ومنطق.. ولنحسن الظن بالجميع، فليس كل من يرى منع المرأة من قيادة السيارة قصده من ذلك التشدد والتعنت والتفرد بالرأي ولكن قد يرى في ذلك مصلحة عامة للمجتمع.. وأيضاً لا أعتقد أن من يطالب السماح للمرأة بقيادة السيارة يقصد بذلك فتح الباب على مصراعيه للاختلاط والسفور فلا علاقة بين هذا وذاك ومجتمعنا ولله الحمد ليس بتلك الفوضى العارمة.. فالوسطية مطلوبة، وقال عليه الصلاة والسلام: «يسروا ولا تعسروا». في عهد الملك فيصل - طيب الله ثراه - عندما أمر بفتح المجال لتعليم الفتيات قامت قائمة كثير من الناس آنذاك مستنكرين ورافضين، ويحكي لي أحد كبار السن بأنه يتذكر ذلك اليوم الذي قدمت فيه ما يقارب من عشرين سيارة للرياض من إحدى مدن المملكة محملة بالرجال الذين اجتمعوا لمنع وانكار خروج المرأة لتتعلم في المدارس فقد كانوا يرون أن هناك منكراً يجب منعه، ورغم كل تلك الموانع والعراقيل أنشئت المدارس وتعلمت الفتاة واختفت الأصوات العالية المنكرة والغاضبة بسرعة، لأن الحق حق وهو اولى أن يتبع.. في وقتنا الحاضر حيث يفصلنا عن تلك المرحلة الزمنية مايقارب (35) عاماً نرى التاريخ يعيد نفسه مع انه من المفترض اننا اصبحنا أكثر مرونة في تقبل التجديد والتغيير - طالما لم يتعارض مع ثوابتنا الإسلامية - كحتمية أزلية لمسيرة الحياة.. اليوم يرى أكثر المنكرين على المرأة قيادة السيارة ليس للقيادة بحد ذاتها بل لاعتبارات اخرى، ولو رأى أحدهم امرأة تسير في الشارع وتركب حماراً - أعزكم الله - فلن ينكر عليها فعلها أو يمنعها بقدر ما يرفض ويستنكر كونها تقود سيارة.. لأن القضية في النهاية تتعلق بالخوف من التغيير والتطوير، وهو خوف لا مبرر له فإذا كانت الأوضاع الاجتماعية والأنظمة لاتتناسب مع أمر كهذا وتؤدي إلى عدم تقبله بل وتحريمه أيضاً.. فلنعالج اذن النقص الحاصل بأنظمة المجتمع فهو غير مؤهل حالياً إذ يجب تهيئته أولاً باستحداث اقسام نسائية في المرور مثلاً، واستقطاب مدربات مؤهلات من الدول الاخرى لتعليم المرأة القيادة في مراكز خاصة بهن، ولو كانت الشوارع كما يقول البعض مزدحمة وغير مهيئة - ولا أراها كذلك - فالمرأة ليست مسؤولة عن ذلك فتلك مسؤولية وزارة كاملة وهي وزارة المواصلات فلتقم بعملها، بالاضافة إلى ذلك كله علينا توعية المجتمع وتهيئته لذلك بشكل تدريجي.. ومن يقول إن في قيادة المرأة للسيارة فتح باب قد يجلب معه الأخطار والمكاره أقول له لا ينبغي أن تنحصر نظرتنا في فتاة مراهقة عابثة تجلس خلف مقود السيارة بل لنتذكر الكثير من أمهاتنا واخواتنا المسؤولات وكثيراً من النساء الفاعلات في المجتمع من هن أهل للثقة والمسؤولية.. ومن يسيء أو يخالف بشيء سواء رجل كان أو امرأة فهناك أنظمة وعقوبات مشددة تقف دون حصولها، بل انه وعلى هذا الأساس بلادنا مهيئة أكثر من غيرها لقيادة المرأة للسيارة لأننا ولله الحمد نتمتع بنعمة تطبيق الشريعة الإسلامية فإن قادت المرأة السعودية السيارة فهي ستظل محتفظة بحشمتها وحياءها ولن تتغير مبادؤها بقيادة سيارة أو غيره.. وها نحن نراها تثبت كل يوم أنها صمام أمان لا يضعف أو يهتز في وجه مغريات الحياة.. فلنرتقي بتفكيرنا أكثر عندما نتحدث عن ما يتعلق بها ولنترك للمرأة مهمة اتخاذ قراراتها بعيداً عن القرصنة الذكورية التي غالباً ما تحصرها في نظرة ضيقة تدور حول كونها سلعة رخيصة أم جوهرة ثمينة اعتقد اننا تخطينا هذا بمراحل.. ولنتذكر أننا في النهاية نتحدث عن المرأة السعودية التي هي الأم والأخت والابنة والزوجة التي ستظل دائماً مصدر ثقة ومسؤولية سواء قادت السيارة أم لا؟..