ما مدى قبولك لفكرة تأجيل الإنجاب في العام الأول من الزواج؟، خصوصاً في حال كانت الحياة الزوجية في بداياتها لا تبشّر بخير، ريثما يستقر الوضع النفسي والعاطفي؛ وعلى طريقة «عسى في الأمر خيرة»؛ لأن التوتر في العلاقة يؤدي إلى التأثير على الزوجة، وكذلك على الزوج، لكن الضرر النفسي يكون على المرأة أكبر، خاصةً اذا كانت حامل، حيث أشارت الدراسات إلى أن الأمهات الحوامل اللاتي يتعرضن لتوترات نفسية أثناء الحمل، ويصبن بالاكتئاب، قد تؤثر الحالة على الجنين، وغالباً ما يلدن أطفالاً يميلون إلى الاكتئاب. ويلقي الطلاق بآثاره على الأطفال، بل إنهم الضحية الأولى له، لذا فمن الأفضل، وقبل أن نضحي بأناس ليس لهم ذنب، تأجيل الحمل ريثما تستقر العلاقة الزوجية، وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أن بعض المختصين يرون أنه لا داعي لتأجيل الحمل في العام الأول، فمبررات الاستقرار غير مقبولة، كما أنهم يرون أن وجود الأطفال لا يشكل عائقاً أمام الطموحات والأمنيات. «الرياض» تطرح الموضوع بحثاً عن جواب، فكان هذا التحقيق. مبررات منطقية في البداية، قالت «هدى عزام»: أتفق كثيراً مع فكرة تأجيل الإنجاب لفترة ما بين ستة أشهر إلى عام؛ لتكون فترة كافية للتعرف بين الطرفين، مضيفةً أن مثل ذلك القرار يخضع لاعتبارات منطقية متعددة، أهمها شعور أحدهما أو كلاهما بعدم الاستقرار، أو استحالة التوافق، أو صعوبة التأقلم، في ظل وجود الخلافات الحادة بينهما، ذاكرةً أنه من مصلحة الجميع الخروج بأقل الخسائر، التي غالباً ما يكون الأطفال ضحيتها، مؤكدةً على أن التوافق النفسي والعاطفي هو الفيصل في استمرارية الزواج من عدمه، إذ لا يكفي أحياناً معرفة الطرفين بأحوال بعضهما البعض، خصوصاً حين يكون الزوجان من خارج الأسرة، وتكون فترة «عقد القران» قصيرة، فلا تكون هناك فرصة جيدة للتعرف على الجوانب الشخصية للشريك الآخر. بعيداً عن المسؤوليات وأوضحت «ثريا مشرف» أنها تؤيد تأجيل فكرة الإنجاب في العام الأول، مضيفةً أن الكثير من «الخاطبين» يحرص على التجمل وتصنع المثالية في تلك الفترة، لهذا تكون الحياة الزوجية على المحك في بداية الأشهر الأولى، حيث المكاشفة والمصارحة، وهي سيدة الموقف، مبينةً أن التأجيل يعطي مساحة لترسيخ وتوطيد تلك العلاقة؛ لمواجهة أي خلافات قد تعترضهما لاحقاً، ذاكرةً أن البعض يلجأ إلى تأجيل الحمل حتى يتسنى له العيش في أجواء جميلة من الرومانسية، بعيداً عن المسؤوليات، التي تقيّد وتعيق حرية الزوجين، بوجود الأطفال وضوضائهم، فضلاً عن أن فترة الحمل متعبة في بدايتها من الناحية النفسية والمزاجية والصحية لدى بعض السيدات، ما يفقدهن القدرة على الاهتمام بالزوج والمنزل. ليس مقياساً وترى «جيهان الجابري» أن إنجاب الأطفال من عدمه ليس مقياساً لتوافق الزوجين، إذ ربما يكونا متوافقين لفترة من الزمن حتى بعد الإنجاب، ومع ذلك يتم الطلاق دون اعتبار لتبعات الانفصال، وتشتت الأبناء، مضيفةً: «واجهت في بداية حياتي الزوجية العديد من المشاكل التي كانت تتكرر بشكل يومي، حتى إن قرار الانفصال كان وارداً، ولكن كانت المفاجأة هي حدوث الحمل، حاولنا في البداية تجاوز تلك الخلافات من أجل المولود القادم، ولكن للأسف تم الانفصال بعد إنجابي، لتبدأ مشاكل أخرى كان من الممكن تجنبها لو كان مثل ذلك القرار حاضراً في أذهاننا»، مشيرةً إلى أنه من الخطأ أن نجزم بأن وجود الأطفال هو صمام الأمان والضمان لاستمرارية العلاقة الزوجية. تقديم تنازلات وأوضحت «أم دانة» أن تلك الفكرة تخالف الفطرة الموجودة لدينا، وهي حب الأطفال والذرّية، معتبرةً أن فرحة الحمل الأول كفيلة بحد ذاتها لتمحو كل الخلافات الموجودة من قبل، كما أنها تزيد من روابط المحبة والألفة بين الزوجين، مؤكدةً على أن كثيراً من الأزواج قدموا تنازلات حين رزقوا بأطفال، ثم سارت حياتهم الزوجية على أفضل حال. وأشارت «صباح سالم» إلى أنه يجب أن نضع في الاعتبار «ضغوطات المجتمع» وتأثيرها على الزوجين، حين يقرر أحدهما أو كلاهما تأجيل الحمل الأول لمدة معينة، إذ يعمد الأقرباء منهم ب»التنغيص» عليهما من خلال الأسئلة الفضولية، والتلميحات القاسية، والمقارنات المستمرة مع من تزوجوا بنفس الفترة، مشيرةً إلى أن الغريب أن مثل تلك الضغوطات تصدر من الأهل حتى مع علمهم بوجود مشاكل بين الزوجين، إذ يعتقدون أن وجود الأطفال يقوي من علاقتهما، في حين أن كل المؤشرات تقول إنهم قريبون من الانفصال والطلاق. هدوء وحكمة وقال «د.خالد بن سعود الحليبي» -أستاذ كلية الشريعة والدراسات الإسلامية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء ومدير مركز التنمية الأسرية في المحافظة-: يُعد تكوين الأسرة وإنجاب الأطفال من أهم عوامل ثبات واستقرار الحياة الزوجية، حتى في ظل وجود الخلافات والمشاحنات، فكثيرا من الأسر تعمد إلى الاستعجال في موافقة أبنائها على قرار الطلاق؛ بحجة أنه لا يوجد بينهم أبناء، في حين كان من الممكن تجاوز تلك الخلافات، وتجنب هذا القرار، والإصلاح بينهم بشيء من الهدوء والحكمة، موضحاً أن وجود المشكلات الاعتيادية بين كل زوجين يعد أمرا طبيعيا، غير أنها لا تعطي مبررا منطقيا لتأخير الإنجاب، إلاّ عند وجود حالات لا يمكن الصبر عليها، والعيش معها، كسوء الأخلاق والمعاملة، فعلى سبيل المثال حين تكتشف الزوجة إدمان الزوج للمخدرات، أو ارتباطه بعلاقات أخرى، هنا تنصح الزوجة بعدم المجازفة بالحمل الأول، حتى يتم معالجة الوضع أو الانفصال. قلق نفسي وأوضح «د.الحليبي» أنه ضد تأخير الإنجاب لداعي إكمال الدراسة في الخارج، أو إكمال الدراسات العليا، أو حتى يستمتع الزوجان بحياتهما دون أطفال في بداية زواجهما، فتلك جميعها من المبررات غير المقبولة، مؤكداً على أن وجود الأطفال لا يشكل عائقاً أمام تلك الطموحات والأمنيات.