تفكّر الفتاة في حياة زوجية رومانسية يسودها الدلال خالية من المنغصات، والشاب يدور في الإطار نفسه.. ولكن "أحلام الورد" تستفيق أحياناً، وربما غالباً على مشاكل الحياة، وعُقدها، وتمتد لتصنع واقعاً جديداً قد لاتفيق منه؛ لأن الأرض لم تكن مهيأة لاستيعاب الخلاف، ولا حتى الاختلاف، وظلت فكرة "الانفصال" تلوح أمام كل نازلة، وحوار لم ينته إلى تراضٍ، ويبقى السؤال: لماذا نفكّر في الطلاق كحل دائم لمشاكل الزوجين؟، وهل يعود السبب إلى عدم التأهيل المناسب قبل الزواج؟. ثقافة مغلوطة بداية ذكرت "منى سعد" أنّ حياتها الزوجية لم تتعدى السبعة أشهر، لمجرد أنها طلبت من زوجها استشارة الطبيب في أمور تتعلق بالعلاقة الجنسية؛ فهب في وجهها "إذا ماعجبتك كل واحد منا بطريق"، وأنّها لم تتفوه بعدها بكلمة في هذا الموضوع، إلى أن جاء ذات يوم من عمله ووجدها تستشير أخصائي عن طريق الإنترنت فقال لها "ما بقي إلاّ أسرارنا الخاصة تنشرينها، وانفعل بطريقة استفزتها، وعلا صراخه، واحتدم النقاش، ورمى عليها يمين الطلاق، وهما لم يكملا شهرهم السابع بعد، معترفةً أنّهما لم يؤهلا للزواج، إضافةً إلى ضعف ثقافتهما الجنسية، وافتقارهما لأسس ومقومات الحوار مع شريك الحياة، حيث أنّ بعض المتزوجين يرون استشارة المختصين في الأمور الأسرية هي إفشاء للأسرار واختراق لحرمة وقدسية الزواج. حياة نكد وبيّن "أبو ريان" أنه اختلف مع زوجته بعد مجئ طفلهم الأول والوحيد، وقال: "انصرف جلّ اهتمام زوجتي للطفل، ولم تعد تهتم بي، وتخالفني في طريقة تربية ابني؛ وعندما أكون على صواب ترفض أن تتقبل رأيي، أو أن ترضى بمعالجتي لإحدى مشاكل طفلي وكأنّه طفلها هي فقط، وفي كل مرة كانت تعاندني، إلى أن غادرت المنزل وذهبت إلى بيت أهلها فترة من الزمن، وأعدتها بعد ذلك، واستمرت المشكلة نفسها لنختلف ثانية، وتعود بصحبة الطفل إلى أهلها، ثم اتصلت بها هاتفياً واحتدم النقاش بيننا؛ فرميت عليها يمين الطلاق دون تردد، حيث لم أعد احتمل "حياة النكد". استشارة خاطئة وترى "البتول" أنّ تسرع الزوجان بالانفصال وعدم التريث والاستشارة؛ بسبب خبرتهما المعدومة أو القليلة، ولذلك من الواجب عليهما طلب المساعدة في الحالات التي تستلزم الاستشارة، منوهةً أنّ تدخل الأطراف غير المؤهلة بإسداء النصائح قد يكون مدمراً وهادماً للأسرة. ووافقتها "لمى" بقولها: "من الخطأ أن تكون الاستشارة عشوائية، فالأصدقاء أو بعض الأقارب يساهمون في شحن الزوج على زوجته والعكس، فيشعلون نار الخلاف بصورة أكبر، وباستشارتهم حثٌ على الفرقة بدلاً من التئام الشمل". وكشفت "ريما" أنّ فكرة التحكم الكلي بالطرف الأخر تزيد من نسبة فراق الزوجين، خصوصاً إذا "عششت" الفكرة بذهن أحد الأطراف عن طريق دعم أهله أو أصدقائه، فيما امتعضت "أم أسيل" من تدخلات الأهل، حيث أنّها تشل إستمرارية الحياة الزوجية، وتساهم في تشبث أحدهم بالانفصال، وذلك حين يتدخل أحد الأقارب ويهول المشكلات، ويرمي التهم، وعدم النصح النصح، والحرص على الوصول إلى حلول ترضي الطرفين. زواج مصلحة! وأوضحت "سماهر" أنّ في فترة ما قبل الزواج وأثناء فترة الخطوبة يحاول كلا الطرفين أن يبهر الآخر بما لديه من مزايا فريدة، فيصور نفسه أو تتصوره الفتاة على أنّه ملاك، ولذا يستصعب عليها أن تتحمله، ورأت أنّ البقاء معه مستحيل، فيما أضاف "إبراهيم": "قد يكون الزواج مبنياً على أسس مادية بحتة، وبذلك يكون الخلاف والاختلاف على أتفه الأمور، وسرعان ما ينتهي بالطلاق، وأحياناً تكون الضائقة المالية إحدى المسببات بتكليف الزوج أو الزوجة مالا يطيقانه، فتجعلهما يفضلان الانفصال". تأهيل الزوجين وأكّدت "غصون الحامد" -أخصائية اجتماعية- على أهمية التأهيل وأن يكون إلزامياً، حيث أنّ الفتاة تختزن في ذاكرتها المقاطع الغرامية، وترسم صورة لفارس الأحلام الذي يحقق رغباتها -تماماً كما تشاهد في المسلسلات والأفلام-، والحياة الزوجية بالنسبة لها لا تتعدى "الكوشة" ومراسم الزفاف، والزوج يرسم صورة في مخيلته عن ما "سمع" أو "تخيّل" أو "قيل له"، ولهذا قد ينفر من زوجته عندما يصطدم بأنّها مخالفة لما رسم في مخيلته. وأشارت "نجود البداح" -أخصائية اجتماعية- إلى أنّ الإسلام عندما شرع الزواج وضع الضوابط التي تحد من الخلافات، وتضمن السعادة وفق إطار المودة والرحمة، ونظراً لاختلاف طبائع الزوجين قد يتكدر صفو الحياة بينهما، ولكن الإسلام كفل لهم كيفية الخلاص أو محاولة الوصول إلى حلول ترضي الطرفين، قبل أن يفكر كلاً منهما في إنهاء الحياة الزوجية، ولكن البعض لا يحسن التعامل مع هذه الخلافات، مبينةً أنّ التضحية والصبر والاستشارة أصبحت لدى البعض مفاهيم لا وجود لها، وخاصة لدى حديثي الزواج، مظهرةً تألمها من الاتجاه العام لمعدلات الطلاق المرتفعة. مالك إلاّ بيت زوجك! وطالب "د.عبدالله الشمراني" -عضو لجنة إصلاح- بتطبيق القوانين التي تحمي كيان الأسرة من الإنهيار، مبيناً أنّ الكثير من المشاكل الزوجية تحدث بسبب الجهل بواجبات الزوجين، وأنّ ضعف الوازع الديني يعتبر سبباً جوهرياً، إضافةً إلى عدم وجود وسائل رادعة، خصوصا للزوج الذي يستغل قوامته بشكل غير صحيح، فبعض العادات الاجتماعية سبب رئيس في ذلك كقول الأسرة للبنت "مالك إلاّ بيت زوجك" -حتى وإن كانت مظلومة-، مضيفاً: "من وجهة نظري نحتاج لبعض القوانين التي تحد من معاملة الزوج أو الزوجة التي لا تتفق مع دين ولا مبدأ، وأن نحذر من ترك أمور حياتهم كماهي عليه، نعم ديننا واضح وشريعتنا واضحة، ولكن ربما أصبحنا نحتاج لبعض القوانين التي تستمد من ديننا لحفظ هذا الكيان، الذي أصبح عرضةً للانهيار لأتفه الأسباب، ولقد وقفت على الكثير من الحالات من خلال عملي في لجنة الإصلاح، وكلها لا تستحق أن تصل لإنهاء العلاقة، ولكن نظراً لتعنت الزوج أو الزوجة أو ربما أسرة الزوجة أحياناً كثيرة يكون الطلاق"، مقترحاً إنشاء العديد من مراكز التأهيل والاستشارات، وعدم قبول الطلاق النهائي إلاّ بعد تدخل جهة معتمدة من قبل المحكمة كلجان إصلاح ذات البين.