اعذريني يا أمي اذا قصرت في حقك يوماً أو أهملت نصيحة منك يوماً. الموت حق ولكنني لم أكن أعلم أن موتك كان قريبا. أسمع دائما كم يكون الحزن شديدا بفقدان غالٍ ولكن حزني اليوم لا يضاهيه حزن آخر, ولكننا لا نعرف قيمة الأشياء إلا حينما نفقدها وهذه طبيعة البشر. أعلم أنك عانيت كثيراً من مرضك في السنوات الأخيرة ولم أتوقع أن نهايتك كانت قريبة ولم ألاحظ لبلادتي بإشارات منك بأنك أحسست بالموت قريبا منك، ولكننا لم نحس بك يا عظيمة. كم كنت سيدة فاضلة طاهرة محبة للخير تخافين ربك وانك أنت علمتني كل القيم والجمال و الإحساس بالغير و الإحساس بالفقراء و المساكين وحب الخير و زرعتِ فيّ احترام الكبير والعطف على الصغير . في يوم رحيلك فوجئت بالعدد المهول من المعزين و كل منهم كانت له معك حكاية و قصة و موقف أعلم أن يمينك لم تكن تعلم ما تفعل يسارك ولكن بموتك علمت اشياء كثيرة كنت أجهلها عنك من محبة وعطاء واحترام للآخرين . أذكر حديثك معي في آخر مرة في المستشفى حيث قرأت لك آخر مقالاتي قبل نشرها عن مشكلة الأسرة في الرياض فوصيتني بالكتابة والاستمرار فيها , لأن قلمي صادق وقوي وجريء ولكن اليوم قلمي يقف عاجزاً لأول مرة , لايرغب في الكتابة فسامحيه أن قصر, لم يفقدك قلمي فقط ولا قلبي ولا والدي أطال الله عمره, والذي لايزال تائه النظرات وكأنه غير مصدق رحيلك ولا ابني ايمن الذي لم يعترف بأمومتي امام حنانك وحبك له ,فقد كنتِ امه الحقيقية بعد طلاقي وذهابي للدراسة وأحسنتِ تربيته وسأظل عاجزة ماحييت عن رد جميلك, وابنتك امل الروحية لاتزال تحدق في السماء وتحس بالضياع من دونك , فقد كنت خير أم لها. أما حفيدك المشاغب معتز اشتاق لحضنك ولايزال بعصبيته الجميلة يتفقد أنفاسك في المنزل وكذلك مناف , انضج من فينا عبد الحكيم يلجأ للزوايا للبكاء عليك خوفا من أن اراه وانهار باكية أمامه ودموعي لم تجف بعد . أما ابنك صلاح فلايزال يبحث عنك فوق اريكتك المفضلة في المنزل وابنك نزار الذي كنا نظنه جميعا قوياً وجباراً ودمعته لم تجف حتى الآن حزنا عليك غير مصدق لماحدث. صدقيني ياحبيبتي أن المعزين لم ينقطعوا منذ رحيلك حتى اليوم يؤازروننا ويعزوننا في فقدانك حتى هاتفي احترم موتك فلم يعد يستقبل إلا التعازي فيك, ولكن ثقي يا أمي أن كل من عزى مشكورا, وكل من بكى حزنا عليك كان سعيدا بأنه عرفك يوما في حياته , وانك لامسته بطريقة أو بأخرى, وهذا عزائي في مصيبتي. باسم كل من ذكرت أعتذر عن كل كلمة اسأت لك بغير قصد أو تصرف ضايقك أو جرحك , لكنني أعدك يا غالية بأن أحاول ان نكمل جميعا مسيرتك في العطاء وحب الخير... رحمك الله واسكنك فسيح جناته.