أوضحت «د. ماجدة أبو راس» - نائب المدير التنفيذي لجمعية البيئة السعودية والمتحدثة الرسمية للمنتدى الدولي للبيئة والتنمية المستدامة الخليجي الثالث - أن المملكة تعمل ضمن المنظومة العالمية للحفاظ على البيئة، والإفادة من التجارب البيئية التي يمكن أن تكون أداة فعالة في العمل، مما يسهم في تكوين بيئة سليمة تحافظ على المقدرات والمكتسبات، في ظل تنامي عدد السكان واتساع المدن والاختناقات الكثيفة، مضيفةً أن عنوان المنتدى «الاقتصاد الأخضر، المسؤولية الاجتماعية» جاء بهدف الربط بين الاقتصاد والبيئة، حيث يُعد نموذجاً جديداً من نماذج التنمية الاقتصادية سريعة النمو، والذي يُبنى أساسه على المعرفة للاقتصاديات البيئية، والتي تهدف إلى معالجة العلاقة المتبادلة ما بين الاقتصاديات الإنسانية والنظام البيئي الطبيعي، وكذلك الأثر العكسي للنشاطات الإنسانية على التغير المناخي. وقالت في حوار ل»الرياض» بمناسبة أعمال المنتدى والمعرض الدولي للبيئة والتنمية المستدامة الخليجي الثالث الذي سيُعقد اليوم وبرعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز: المنتدى سيتطرق إلى ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري، واللذين يُعدان من القضايا العالمية الساخنة حالياً، بل وأصبحت حقيقة علمية مؤلمة لم تعد تقبل التشكيك، خصوصاً بعد الكوارث الطبيعية المتزايدة التي تعرضت لها الكثير من الدول والمجتمعات من سيول وفيضانات وأعاصير وموجات جفاف وحرائق غابات واختلال في الطقس حول العالم، وفيما يلي نص الحوار: نموذج جديد * ماذا يعني مصطلح الاقتصاد الأخضر؟ - جاء المصطلح بهدف الربط بين الاقتصاد والبيئة، ويُعرّف بشكل عام بأنه نموذج جديد من نماذج التنمية الاقتصادية السريعة النمو، والذي يُبنى أساسه على المعرفة للاقتصاديات البيئية، والتي تهدف إلى معالجة العلاقة المتبادلة ما بين الاقتصاديات الإنسانية والنظام البيئي الطبيعي، وكذلك الأثر العكسي للنشاطات الإنسانية على التغير المناخي، والاحتباس الحراري، وهو يناقض نموذج ما يعرف ب»الاقتصاد الأسود»، والذي يُبنى على استخدام «الوقود الأحفوري»، مثل «الفحم الحجري» و»البترول» و»الغاز الطبيعي»، ويتبنى الاقتصاد الأخضر الطاقة الخضراء التي يتم توليدها بواسطة الطاقة المتجددة، والمحافظة على مصادر الطاقة واستخداماتها كمصادر طاقة فعالة، وفي خلق ما يعرف بفرص العمل الخضراء، والإنتاج الأخضر، الذي يشمل الزراعة العضوية وتشجيع المنتجات العضوية والمتاجر الخضراء، إضافةً إلى ضمانة النمو الاقتصادي المستدام والحقيقي، ومنع التلوث البيئي، والاحتباس الحراري، واستنزاف الموارد الطبيعية. * ما هي محاور المنتدى؟ - سيتطرق المنتدى إلى ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري، اللذين يُعدان من القضايا العالمية الساخنة حالياً، بل وأصبحت حقيقة علمية مؤلمة لم تعد تقبل التشكيك، خصوصاً بعد الكوارث الطبيعية المتزايدة التي تعرضت لها الكثير من الدول والمجتمعات من سيول وفيضانات وأعاصير وموجات جفاف وحرائق غابات واختلال في الطقس حول العالم، مع ارتفاع في درجات حرارة الأرض عن معدلها الطبيعي، واختلال في النظام البيئي العالمي. .. وهنا تكرم من الأمير تركي بن ناصر بمناسبة حصولها على جائزة القيادات العربية النسائية للبيئة للعام 2011م بيئة سليمة * كيف تصفين دور المملكة في مجال البيئة؟ - المملكة تعمل ضمن المنظومة العالمية للحفاظ على البيئة، والإفادة من التجارب البيئية التي يمكن أن تكون أداة فعالة في العمل، مما يسهم في تكوين بيئة سليمة تحافظ على المقدرات والمكتسبات، في ظل تنامي عدد السكان واتساع المدن والاختناقات الكثيفة، من أجل التنمية المستدامة، وأخذ الاحتياطات والاحترازات وتطبيق المعايير البيئية، مع الإفادة من التجارب العالمية في دول العالم. * ما هي الرسالة التي يريد المنتدى أن يوجهها للعالم؟ - إن الدول إذا لم تتخذ سياسات وإجراءات وممارسات عاجلة فعالة، فسوف يتعرض كوكب الأرض ومستقبل الحضارة البشرية للمزيد من الكوارث والأخطار، لذلك نحاول من خلال المنتدى أن نصل إلى آليات تجمعنا من أجل هدف وغاية واحدة. * ما زالت مفاهيم الاقتصاد الأخضر في عالمنا العربي المتغير تسير ببطء سواء في التنظير أو التطبيق، بل وما زالت هناك رؤية تقول أن هناك غيابا عربيا واضحا، ما رأيك؟ - نعم قد تكون الرؤية صحيحة إلى حد ما، كما أن مساهمة البلدان العربية في منظومة الاقتصاد الأخضر لا تصل حتى إلى (1%)! وعلى الرغم من أن البلدان العربية قد انتهجت أحياناً نماذج جريئة للنمو الاقتصادي، فإن سياساتها العامة فشلت في تطعيم الأبعاد الثلاثة للاقتصاد الأخضر، «الاعتبارات الاقتصادية»، و»العدالة الاجتماعية» و»الحفاظ على الموارد الطبيعية»، ولعل التقارير الأخيرة عن أداء البلدان العربية المتصل بأبعاد هذا الاقتصاد، يوضح أن هناك قصوراً كبيراً فيه لأسباب كثيرة، منها عدم التخطيط المحكم في مجال السياسيات التنموية، إضافةً إلى تفشي ظاهرة البطالة، وكذلك افتقار أكثر من (45) مليونا عربيا إلى الخدمات الصحية الدنيا وإلى المياه النظيفة، مع ارتفاع كلفة التدهور البيئي في البلدان العربية، إلى جانب الاستمرار في هدر منسوب المياه العذبة القليلة. استراتيجيات وطنية * أين يكون الحل؟، وكيف يمكن مواجهة هذا التحدي؟ - هناك الكثير من الآليات التي يمكن من خلالها تحقيق أمل الوطن العربي، من أبرزها الدعوة إلى إرساء استراتيجيات وطنية وإقليمية في مجال كفاءة استخدام الطاقة، وخاصةً فيما يتعلق بمصادر الطاقات المتجددة، والعمل على توظيف استثمارات مستمرة في مجال ترشيد استخدام المياه في كل المجالات وفي النقل العام في المدن، إضافةً إلى دعوة القطاعين العام والخاص للتعاون، إلى جانب التشديد على ضرورة تخصيص جزء هام من الاستثمارات في مجالات التأهيل وإعادة التأهيل والابتكار والبحث العلمي. * كيف يمكن تحقيق متطلبات التحول إلى الاقتصاد الأخضر في العالم العربي؟ - إن التحول إلى الاقتصاد الأخضر يتطلب مراجعة السياسات، مع إعادة تصميمها لتحفيز التحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك والشراء والاستثمار، وكذلك الاهتمام بالتنمية الريفية، بهدف تخفيف الفقر في الأرياف، إلى جانب الاهتمام في قطاع المياه وحوكمتها، وضبط استخدامها وترشيدها ومنع تلوثها، مع العمل على الاستثمارات المستدامة في مجال الطاقة وإجراءات كفاءة الطاقة، إضافةً إلى وضع استراتجيات منخفضة الكربون للتنمية الصناعية، واعتماد تكنولوجيات الإنتاج الأكثر كفاءة في المصانع الجديدة، مع دعم قطاع النقل الجماعي، والتصدي لمسألة النفايات البلدية الصلبة واستثمارها بما هو مفيد وصديق للبيئة. ظاهرة الاحتباس الحراري من أهم الموضوعات التي ستناقش في المنتدى * هل تعتقدين أن هذا التطبيق وهذا التحول يمكن تحقيقه بشكل سريع لمواجهة الأخطار المحدقة بالبيئة؟ - إن الانتقال إلى التنمية الخضراء ليس حدثاً فورياً يمكن بقرار واحد يتخذ على مستوى عال، بل يجب اعتباره عملية طويلة وشاقة، توجهها نظرة سياسية من الأعلى إلى القاعدة، مع مشاركة كافة القطاعات. رفاهية الإنسان * هل فكرة الاقتصاد الأخضر فكرة حديثة؟ - نعم، حيث شهد العامان الأخيران إبحار فكرة الاقتصاد الأخضر بعيداً عن مراسيها المتخصصة في الاقتصادات البيئية إلى الخطاب السياسي العريض، وهي تتردد الآن بصورة مطردة في خطب الزعماء والقادة ورؤساء الدول ووزراء المالية، وفي نصوص البيانات الرسمية لمجموعة العشرين، ويعرّف برنامج الأممالمتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر على أنه الاقتصاد الذي ينتج عنه تحسن في رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية، في حين يقلل بصورة ملحوظة من المخاطر البيئية وندرة «الموارد الإيكولوجية»، ويمكن أن ننظر للاقتصاد الأخضر في أبسط صورة، كاقتصاد يقل فيه انبعاث الكربون، وتزداد فيه كفاءة استخدام الموارد، كما أنه يستوعب جميع الفئات الاجتماعية، وفي هذا الاقتصاد، يجب أن يكون النمو في الدخل وفرص العمل مدفوعاً من جانب الاستثمارات العامة والخاصة التي تقلل انبعاث الكربون والتلوث، وتزيد من كفاءة استهلاك الموارد والطاقة، وتمنع خسارة خدمات «التنوع البيولوجي» و»النظام الإيكولوجي»، حيث تحتاج هذه الاستثمارات التحفيز والدعم عن طريق الإنفاق العام الموجّه، مع إصلاح السياسات وتغيير اللوائح، ويجب أن يحافظ مسار التنمية على رأس المال الطبيعي ويحسنه، بل ويعيد بناءه عند الحاجة، باعتباره مصدرًا للمنفعة العامة، خاصةً للفقراء الذين يعتمد أمنهم ونمط حياتهم على الطبيعة. * هل يحل هذا الاقتصاد محل التنمية المستدامة؟ - الاستدامة لا تزال هدفًا حيويًا بعيد الأمد، ولكننا لا بد أن نعمل على تخضير الاقتصاد لنصل إلى هذا الهدف، أيضاً لابد أن ندرك أن الاقتصاد الأخضر لا يرتبط بالاقتصادات الأكثر تقدماً، ولكنه أيضاً حافز رئيسي للنمو والقضاء على الفقر في البلدان النامية، حيث يرتبط قرابة (90%) من الناتج المحلي الإجمالي للفقراء في بعض الحالات بالطبيعة أو برأس المال الطبيعي كالغابات والمياه العذبة. نمو أعلى * إذن ما المطلوب عمله؟ - لا بد أن نعتمد على نموذج السياسات التي تعيد توجيه نحو (1.3) تريليون دولار سنوياً في الاستثمارات الخضراء وفي عشرة من القطاعات الرئيسة، أي ما يعادل تقريبا (2%) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أما بالنسبة لحجم هذا المبلغ مقارنةً مع غيره، فهو يمثل أقل من عشر مجموع الاستثمار السنوي في رأس المال المادي، وينفق العالم حالياً ما بين (1- 2%) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مجموعة من سياسات الدعم، التي كثيراً ما تبقى على الاستعمال غير المستدام للموارد في مجالات الوقود الأحفوري والزراعة، بما في ذلك دعم المبيدات والمياه ومصايد الأسماك، كما أن العديد منها يسهم في الضرر البيئي وعدم الكفاءة في الاقتصاد العالمي، لذا فإن خفضها أو التخلص منها تدريجياً من شأنه أن يولد فوائد متعددة، إلى جانب تحرير الموارد لتمويل عملية الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. أدخنة المصانع مصدر لتلوث الهواء * ما هي فوائد التحوّل على المواطن والفرد؟ - التحول سوف يحقق معدل نمو أعلى، والتحول الشامل إلى الاقتصاد الأخضر من شأنه تحقيق دخل أعلى للفرد مقارنةً بنظيره، في ظل النماذج الاقتصادية الحالية، مع تقليل البصمة البيئية بنسبة (50%) في العام 2050م، بالمقارنة بنهج العمل المعتاد، وسيكون مطلوبا من الاستثمار، الذي يموله في بعض الحالات الحد من الدعم الضار، من خلال إعادة بناء مهارات بعض قطاعات قوى العمل العالمية، وإعادة تدريبها، لضمان انتقال عادل ومقبول اجتماعياً، وعلى سبيل المثال، فإن استثمار حوالي واحد وربع في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي كل عام في كفاءة أنواع الطاقة والطاقات المتجددة، من شأنه أن يخفض الطلب العالمي على الطاقة الأولية بنسبة (9%) في العام 2020م، وما يقارب من (40%) بحلول العام 2050م، وستكون مستويات العمالة في قطاع الطاقة أعلى بمقدار الخمس مقارنة بمستويات العمالة، في ظل سيناريو العمل المعتاد؛ لأن الطاقات المتجددة ستشكل ما يقرب من (30%) من حصة الطلب العالمي على الطاقة الأولية بحلول منتصف القرن، وستبلغ الوفورات في تكاليف رأس المال والوقود المستخدم في توليد الطاقة في إطار سيناريو الاقتصاد الأخضر (760) مليار دولار سنوياً في المتوسط بحلول عام 2050م. تغيير بيئي * ألا تعتقدين أن تجمع قادة العالم في «ريو» هذا العام 2012م، سيكون مختلفاً، في ظل إعادة النظر في المنظور البيئي إقليمياً وعالمياً؟ - بالتأكيد أن قمة «ريو» تأتي على خلفية التراجع السريع في الموارد الطبيعية، وتسارع التغيير البيئي، بدءًا بفقدان الشعاب المرجانية والغابات، إلى الندرة المتنامية في الأراضي المنتجة، جراء الحاجة الملحّة إلى الغذاء والوقود من جانب الاقتصاد والآثار المحتملة لتغير المناخ دون رادع، لذلك يجب علينا تجاوز استقطابات الماضي كالتنمية في مقابل البيئة، والدولة مقابل السوق، والشمال مقابل الجنوب، وفي ظل وجود (2.5) مليار نسمة يعيشون على أقل من اثنين دولار يومياً، وأكثر من ملياري نسمة يضافون إلى سكان العالم بحلول العام 2050م، فمن الواضح أنه يجب علينا الاستمرار في تطوير وتنمية اقتصاداتنا، ولكن هذا التطور لا يمكن أن يأتي على حساب نظم دعم الحياة ذاتها على الأرض أو في المحيطات أو في الغلاف الجوي، إذ أنها تحافظ على اقتصاداتنا، وبالتالي على حياة كل واحد منا. * هل يمكن أن نعرف ما هو مصير المنطقة العربية جراء تطبيق الاقتصاد الأخضر؟ - إن خفض دعم أسعار الطاقة في المنطقة العربية بنسبة (25%)، سوف يحرر أكثر من (100) مليار دولار خلال ثلاثة أعوام، وهذا مبلغ يمكن تحويله لتمويل الانتقال إلى مصادر الطاقة الخضراء، وبتخضير (50) في المئة من قطاع النقل في البلدان العربية، نتيجة ارتفاع فعالية الطاقة وازدياد استعمال النقل العام والسيارات الهجينة، تتولد نتائج تقدر بنحو (23) بليون دولار سنوياً، وبإنفاق (100) مليار دولار في تخضير (20%) من الأبنية القائمة خلال السنوات العشر المقبلة، يُتوقّع خلق أربع ملايين فرصة عمل، من هنا على البلدان العربية أن تعزز كفاءة الري واستخدام المياه وتمنع تلوثها، مع العمل على زيادة نسبة مياه الصرف المعالجة التي يعاد استخدامها من (20%) حالياً إلى (100%)، ومن شأن ذلك أيضاً تخفيض كلفة التدهور البيئي في المنطقة العربية البالغة نحو (95) بليون دولار سنوياً، إن التحول إلى اقتصاد أخضر يساعد في إيجاد فرص عمل لائقة ودائمة في الوطن العربي، وإيجاد (60) مليون وظيفة جديدة مطلوبة بحلول عام 2020م.