كل شيء في هذه الحياة يتطور، ينمو، يزدهر، لا يقبل الجمود، أو الركود، هذه سنن الكون، وقوانين الوجود، وحقائق التاريخ الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، كل ما هو ثابت لا يتحرك، ويجدد عناصره وخلاياه، ويواكب التطور، والحداثة، ومضامين العصر، ومنجزه المعرفي والثقافي، وما يجدّ من مفاهيم حياتية واجتماعية، هو بالتالي مهدد بالأسن، أو التخلف عن أدواره الحقيقية، ويستدعي بهذا الركود العجز التام، والشلل الكامل، والجلوس في أقبية الظلام "يشطّر الأبيات أو يؤلف الأمثال"، ويتخطاه العالم إلى فضاءات الخلق، والإبداع، والتجديد، بينما هو يخسر كثيراً من رصيده الفكري، ومسؤولياته تجاه الناس، والمجتمع. ومن القضايا الملحة في هذا العصر المتغير، والسريع في إيقاع حياته، الخطاب الديني وضرورة تجديده في أساليب وأنماط لغته، ومفاهيمه، ومضامين تناولاته، إن في توجهه لغير المسلمين في أرجاء الكون الواسع، وما هو حالة اختلاف معهم في الفهم، والتوجه، والرؤى، وإن في التوجه إلى المسلمين في العالم الإسلامي، وما يدخل في إطار معاشهم اليومي، ووضعهم في قوالب الفهم السليم والصحيح للإسلام كدين حياة، وتسامح، وقبول للآخر، ودعوة إلى الخالق بالحكمة، والموعظة الحسنة، وحوار بالتي هي أحسن، عبر علاقة ود، واحترام للآخرين وإن اختلفنا معهم في العقيدة، أو العرق، أو الهوية والانتماء، أو الجنس، أو مفاهيم وثقافة العيش الاجتماعي، والحياتي. نحن في عصر متلاحق التغيرات، متوثّب التجدد، متسارع المستجدات، والتحولات، لم تعد المفاهيم ثابتة، أو راكدة ولو بشكل نسبي، صار المنجز العلمي، والفكري، وما يطرأ على علاقات الناس ببعضهم، أو بأدوات وتفاصيل عيشهم، أو بنظرتهم إلى مستقبلات الشعوب، وحركتها التاريخية مع بعضها، وتوحدها في الأهداف، والغايات الإنسانية لتحقيق نوع من الرخاء، والأمن، والتكافل، والتعايش الإنساني الذي يثري الثقافة والعيش للإنسان أينما كان، وحيثما كان، صار كل هذا يحتّم تجديداً في الخطاب الديني لغة، وطرحاً، ونوع مفاهيم، ومضامين تواصل. أحسب أننا في حاجة ماسة، تحتّمها متغيرات العصر، وتمليها قنوات التواصل الاجتماعي، والإعلامي، إلى خطاب ديني يحترم عقائد الآخرين، وقناعاتهم، وتجديد هذا الخطاب ليصل بمفاهيمه إلى عقول الآخرين، ويمتزج برؤيتهم، ويجد قبولاً منهم، وتفاعلاً مع الطرح، والهدف الذي نريده، وتمليه علينا شريعتنا السمحة، وغاياتنا النبيلة، دون أن نقصي أحداً، أو نستفز مكوناً اجتماعياً أو أممياً، أو نستعدي أصحاب عقيدة سماوية أخرى، فهدينا الكريم يقول: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" (البقرة 285). إن علينا أن نعمل على تغيير خطابنا الديني فننبذ التطرف والغلو، وإقصاء الآخر، واستدعاء لغة الاستفزاز، سواء بالنسبة إلى المذاهب الإسلامية الأخرى، أو أصحاب العقائد السماوية في هذه الأرض الواسعة التي تحولت إلى بقعة صغيرة تكاد أن تكون حياً وليست قرية. وليكن تجديد الخطاب في الفروع، أما الثوابت فهي راسخة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وما عليها. وليكن مفهوماً أن تعطيل التجديد هو إغلاق كامل لأبواب الاجتهاد.