عندما بدأ الغزو التكنولوجي على مجتمعاتنا كان من الطبيعي أن يقبل عليه الشباب باعتبارهم المعنيين بكل جديد، والراغبين في تجربة واكتشاف عوالم تتناسب وتطور زمانهم وتقدم العلم من حولهم، وبالمقابل فقد بدا طبيعياً للغاية أن يقابل كبار السن هذه التكنولوجيا بالرفض والاستنكار، ثم بالقبول على مضض باعتبارها مريحة و تسهل أعباء الحياة، لكن الجميل في الأمر أن كبار السن ممن هم فوق السبعين اثبتوا مرونة رائعة في التعاطي مع التكنولوجيا، خاصة الشخصية منها كالحواسيب والاجهزة اللوحية والأجيال المتقدمة من الجوالات. التحديثات ترهقني السيد «حكم با يزيد» (70 عاماً) يتردد بانتظام على مركز للتدريب على الحاسب الآلي، ولكن ليس ليتعلم مباديء الحاسب الآلي كما قد يتبادر للذهن، ولكن ليتعلم استخدام برنامج (الفوتوشوب) التقيناه وسألناه عما يفعل؛ فقال:»ألهث وراء التحديثات التي لا تنتهي للبرامج»، موضحاً أنه يعمل في مركز استشارات هندسية ويريد أن يثبت لرؤسائه أنه ليس أقل ممن يعملون بالمركز، وقادر على تفهم الأدوات الحديثة. وأضاف:»دربت نفسي على استخدام برنامج الاتوكاد الهندسي، ومنذ دخل الحاسوب إلى شركتنا، وأنا أتعاطى معه باصرار، وبفضل الله فقد نجحت في دخول هذا العالم دون مشاكل واستخدم الإنترنت بمهارة عالية»، مؤكداً على أن الأمية هي «أمية الدماغ».. نشط دماغك تمحُ أميتك في أي شيء وكل شيء. مفاجأة التطبيق أما السيد «محمد مصباح حسن» -معلم متقاعد (71 عاماً)؛ فيتحدث عن علاقته بالتكنولوجيا، وقال: عندما بدأت استعمل الجوال للمرة الأولى منذ حوالي خمسة عشر عاماً كنت أعتقد أنني أمارس قمة التمدن، وعلى الرغم من أني أتعامل مع الجهاز في أضيق الحدود أرسل وأتلقى المكالمات والرسائل فقط، إلاّ أن أولادي حرصوا على تجديد الجهاز لي كل فترة حتى فاجأوني قبل أيام بإحضار الجهاز اللوحي لي (الأيباد)، والحقيقة أنني ضحكت في البداية، فأنا لم أتصفح الإنترنت على جوالي أو حواسيب المنزل، ولم أستخدم أية برامج محادثات في أجهزة الإتصال السابقة، ولا تعنيني كثيراً تعقيدات التكنولوجيا، والخيارات الحديثة التي يحملها كل جهاز جديد، ولكني بدأت أتعرف على عالم الإنترنت، وأتعلم كيف أدخل مواقع التواصل الاجتماعي عبر جهازي الجديد الذي أجده شيقاً، وأتعلم فيه كل يوم أمرا جديدا، مستدركاً أنني الآن أتابع النشرات عبر جهازي اللوحي وأيضاً المسلسلات. أسطورة «ترافيان» وقالت «هيا عبدالله» إن أمي (73 عاماً) أعجوبة في استخدام الحاسب والإنترنت وهي مغرمة بلعبة «ترافيان»، ولها فيها صولات وجولات ويخشى جانبها من قوتها في هذه اللعبة التي تلعب مباشرة عبر الإنترنت مع منافسين من كل أنحاء العالم، مشيرة إلى أن والدتها تعلّمت استخدام الحاسوب وأتقنت هذه اللعبة تماماً، كما أنها تتواصل عبر برنامج المحادثات (سكايب) مع أخي في أمريكا صوتا وصورة، وهي تعلمت كيف تستفيد من الكومبيوتر على الوجه الأكمل، والأجمل ربما أفضل مما نفعله نحن الشباب مع الاجهزة الحديثة. كلمة سر «أبو علي» -سكرتير لأحد الشخصيات، ورجل تعدى السبعين بسنوات كثيرة- ومع ذلك فهو الشخص الأكثر ثقة لدى رئيسه؛ لذا فهو حريص على استخدام الحاسوب، وتعلّم مهاراته كي يواكب عصره ويسجل كل بيانات وتعاملات رئيسه؛ لذا فقد ابتدع لنفسه آلية خاصة به. وقال:»لا أتعامل إلاّ مع مهندس الكترونيات واحد فقط أعرفه، وأتعامل معه منذ أكثر من عشرين عاماً، وعندما أشتري جهازاً جديداً؛ فإن «إيقونات» بعينها لابد أن تكون أمامي على سطح المكتب حتى أتمكن من الوصول إلى مصادرها بسهولة، و منها الصحف المفضلة، وموقع الأسهم، ومستند «نصي نمطي»؛ للتعامل مع الفواتير والداخل والخارج من المصروفات، وهذه أمور لا أسمح لأحد أن يطلع عليها؛ لذا فأنا أضع لجهازي كلمة سر أغيرها كل فترة. لا تضيّع وقتي لكن كما يقبل ضيوفنا السابقون على التكنولوجيا الحديثة بشغف ويتعلمون مهاراتها بإتقان؛ فهناك من يرفض الأمر جملة وتفصيلاً مثل العم «عبدالهادي» صاحب البقالة الذي ليس له من اسمه نصيب كبير؛ فهو دائم العصبية ويكاد يمد عصاه على كل طفل يشتري منه حلوى أو يشاكسه في نوع المثلجات التي يفضلها، وعندما سألناه عن علاقته بالكومبيوتر ابتسم بسخرية، وقال: «والله انكم تضيعون وقتكم..»! صبر واصرار من جهة أخرى توجهنا إلى عدد من مراكز التدريب على تطبيقات واستخدام الحاسب الآلي؛ فكانت النتيجة شبه متطابقة إذ يقول المدرب «مدحت إسماعيل» في احد مراكز التدريب: حوال 20% من عملائنا هم من كبار السن فوق الخمسة وستين عاماً، وجميعهم يأتون ليتدربوا على المبادئ البسيطة لاستخدام الحاسب بدءاً بكيف فتح الجهاز، وكيف يفتح البرنامج، وخصوصاً برنامج الكتابة «وورد»، مشيراً إلى أنهم بطيئو الاستجابة والتعلم ويحتاجون صبراً كبيراً ليتعلموا، ويعانون كثيراً من استخدام لوحة المفاتيح، غير أن ما يميزهم هو الإصرار الكامل على التعلم والدقة في المحافظة على المواعيد؛ فهم يحضرون قبل غيرهم ولا يتغيبون يوماً واحداً كما أنهم يسألون في كل صغيرة وكبيرة ويصرون على تطبيق ما يتعلمونه في المركز في بيوتهم؛ لذا لابد من اعطائهم واجبا منزليا كل مرة حتى يطوروا مهاراتهم. إقبال ضعيف وفي أحد مراكز بيع أجهزة الحاسب الآلي التقينا مدير المبيعات «محمد الجولحي»، وأفاد أن عدد المشترين من كبار السن قليل جداً قياساً على الشباب، وربما يشكلون في مجموعهم حوالي 7% من إجمالي المتسوقين. وقال:»معظمهم يأتون لشراء حواسيب لأبنائهم أو أحفادهم، وليس لهم بشكل خاص، ولكن في فترة سابقة عندما شهدت الأسهم طفرة كبيرة، واقبالاً واسعاً كان كبار السن زبائن دائمين عندنا لشراء الاجهزة لمتابعة مؤشرات الأسهم عليها، و قد خفت هذه الموجة تماماً، ومن يأتي منهم لشراء جهاز خاص يطلب مواصفات يسهل التعامل معها». متدربون على برنامج الحاسب ضمن مشروع الحي المتعلم بجدة «إرشيف الرياض»