اختلفنا سياسياً ولغوياً وإعلامياً عندما اجتاحت القوات العراقية الكويت لأسباب كثيرة، ومنها تحوير وصف الموقف من الاحتلال والعدوان إلى الغزو, وكان الظن أن العملية لا تخرج عن مفهوم غزو عشائري للحصول على الماء والكلأ، وفي هذه الحال الأرض والنفط. وبالرغم من اعتراض البعض على ذلك، إلا أن تلك المفردة المحورة أصبحت هي الوصف المعتمد في محافل الخلاف السابقة, فأرخت تلك المرحلة ب "غزو الكويت" وعام "الغزو". وفي ما يبدو أن الواقع العراقي لا يزال يتحفنا بمفردات العودة إلى حكم العشائر بالرغم من تأسيس وسيادة الدولة القطرية. ولعل الواقع العراقي مع واقع دول ما يسمى بالربيع العربي سيفرز لنا واقعا اجتماعيا وطبقيا ومذهبيا وعشائريا وسياسيا يعيدنا إلى ما قبل تأسيس الدولة الحديثة. ومن أبرز تلك الإفرازات ما يدور حاليا وقانونيا حول مطالبة "حكومة نوري المالكي" المذهبية أو العشائرية - أي كانت الخلافات عليها - باستعادة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي من الأكراد العراقيين، فيأتي الرد عشائريا من مسعود البرازاني بالرفض، وأن التهمة سياسية ولا تتسق مع الأعراف وواقع الحال. فما هو تصنيف الهاشمي حاليا؟ ببساطة التصنيف العشائري وحتى القانوني هو "الطريد" والدبلوماسي اللبق هو "لاجئ". فاذا كان نائب رئيس لاجئا وآخر منبوذا وثالثا مستجيرا فسندخل في نفق التصنيفات العشائرية للدولة القطرية. وهذا الوصف هو ضمن سلسلة من الأوصاف منها "المنيع" و"المستجير" و"دخيل حق" ودخيل عق" و "واقف شليل" و"طريح البيت" وغيرها من المفردات التي تعطى صاحب المنعة والقوة, القدرة على إعطاء جزء منها للمستجير. ولكن بشروط وأخلاقيات غير مكتوبة، ولكن قوتها بقوة القانون المكتوب - إن لم تكن أكبر - لأنها تُحترم على أرض الواقع. ولكن المشين في الموضوع حاليا هو التضليل والزيف أو محاولة إسقاط شرعية على أفعال غير شرعية، وفي بيئة غير بيئة العشائر. ببساطة هي محاولة اللعب باسم العادات العربية الأصيلة، ولكن بدناءة لا تمت لها بصلة. فمثلا الشروط التي وضعها الرئيس اليمني السابق على صالح للخروج من المسرح السياسي هي أن يخرج مصحوبا بمعارضيه فكيف سيتم تصنيفهم بهذا الخروج؟ هل يكونون على شاكلة المستضاف زين العابدين بن علي وقبله علي سالم البيض وعلى ناصر محمد وغيرهم كثر؟ وهل العرب بحاجة إلى تحوير مسميات تلك الأعراف السابقة حتى يتم السماح لمن فقد الشرعية بالخروج كمستجير؟ طبعا لا أحد منهم نتوقع أن يكون مثل طريد بني أمية الذي أذهل بني العباس فتحول من "دخيل" إلى "داخل". فأصبح عبدالرحمن الداخل مؤسس دولة المسلمين في الأندلس. أتمنى أن يتحول احد دواخل العصر ويذهب إلى القطب الشمالي أو الجزر النائية فيؤسس على غرار طريد بني أمية أي كيان تعويضي بمثابة ليكون بمثابة امتحان الدور الثاني له لعل وعسى أن ينفع بعدله أهل تلك الأصقاع. أما شخصية الطريد القادمة فهي قد بدأت تلوح في أفق السقوط, وبدأت الأصوات تعد العدة لاستبداله في مكانه واستقباله في منفاه إن فلت, إنه بشار الأسد. يقول الدكتور سعد عطية الغامدي في قصيدة عنه وتحمل اسم الطريد ومن بعض أبياتها: بشار نوشك أن نراك طريدا متوشحاً ذلّ المصير.. شريدا متجردا من كل مجد شدته زورا، ولم تك في الرجال مجيدا أغراك بطشك.. فارتكبت مجازراً وقتلت شيخاً طاعناً. ووليدا وهدمت فوق الساكنين بيوتهم وزرعت من دون الحقول حديدا وفتحت للشعب البريء مقابراً وحميت للمحتلّ عنك حدودا لن يرجع الأحرار عن إصرارهم أو يعدموا فوق الصمود صمودا حتى تراك الأرض تسقط صاغرا متوشحا ذل المصير طريدا لقد أدخلنا هذا الواقع العربي نفقا مظلما فلم نعد نعرف فيه قواعد اللعبة هل هي وفق أعراف العشائر فيكون القتل بمعيار أم هو بقواعد الدول القطرية التي تدعي حماية الشعب لينعم بالحرية والديمقراطية أم المنظمات السرية أو الإرهابية؟ إنها لعبة استعرنا فيها سلوكيات الماضي، ولكن بلا أخلاقيات للحاضر أو قيم الماضي. في السابق عندما يقول رجل لآخر "داخل على الله ثم عليك" تأبى مروءته أن يضام دخيله, ولكن تلك المفردة لم تعد ذات قيمة. فقط لفظة الدخيل التي لا زالت تحمل المعنى والسلوك, هي عندما تقول المرأة السورية "دخيل قلبك, ما أجمل الشام بلا طغاة". ويقال لها "دخيل قلبك أنت, لازم تعرفي أن من ظلم العباد كان الله سبحانه هو خصمه"، عندها سيعرف أن لا مفر, فهو طريد دنيا وآخرة.