بعد تجربة أمريكا المريرة في فيتنام، دخلت أنفاق وجبال وسهول أفغانستان الوعرة، لتعيد نفس الخطأ، وهذه المرة لم تدخل مجابهة مع دولة شيوعية، بل مع دولة إسلامية أذل شعبها جميع من غامروا باحتلالها.. خلال الأشهر الماضية دخل الجنود الأمريكيون مرحلة الجنون ليتحولوا إلى عصابات اجرام منظم، فحرقوا المصاحف، وبالوا (أعزكم الله) على جثث الموتى، وذبح أحد جنودهم ستة عشر فرداً لشهوة الانتقام والقتل، هذه الأفعال أعادت لنا صورة الأمريكي القبيح التي ألف فيها عدة كتب في العقود الماضية، فقد أصبح المسلم في الذهنية العامة قرين الإرهاب والتخلف والعداء للدولة العظمى، والمشكل ليس في ممارسات مجنونة تحت ارهاصات حرب دخلتها أمريكا بمسلّمات مكافحة الإرهاب والوعود الإلهية المزعومة التي تعبأ بها رأس بوش الابن وخرافاته المستديمة. انتهاك مقدسات وأخلاقيات أي شعب، وقود النار ضد العدو، والشعب الأفغاني الذي أعجز أكبر جيش في العالم، وأكثرها تقدماً، لم يعرف أن هذا البلد الفقير ذا الطبيعة الجغرافية المعقدة، سوف يكون بهذه القوة والشراسة مع محتل دخل بعقدة الكبرياء دون فهم السلوك العام لشعب محارب جسور.. أمريكا أصيبت بصدمة عندما قالت «لماذا يكرهوننا؟» والأمر لا يحتاج إلى تفاسير، فالصورة العامة عند العالم عندما احتلت العراق وأفغانستان، ومارست سلوك الرجل البدائي أنها «دون كيشوت» جديد حوّل البطل الخرافي إلى تجسيد حقيقي فيما ينافي الأخلاق العامة والنواميس الإنسانية.. بريطانيا احتلت معظم دول العالم مارست السرقات والقتل وإزاحة ثقافة الشعوب، لكنها كانت حذرة الاصطدام بتقاليد وأخلاقيات ومقدسات شعوب مستعمراتها، لأنها تدرك رد الفعل الحاد، لكن أمريكا بعد أن دخلت حروب ما بعد العالمية الثانية، صارت أكثر شراسة وغطرسة، وفي أفغانستان شعرت أن وطأة الحرب ليست سهلة، فاللعبة انتهت مع كل المزاعم بما في ذلك اعتبارها مصدراً للإرهاب، لكن إرهاب جنودها فاق مبدأ القتل إلى الإهانة المتعمدة، وهذا أحد مصادر الغضب الإسلامي الذي يتعاطف مع الشعب الأفغاني في واقع ما يواجهه من سلوكيات طالت المقدسات والأخلاق.. لقد تحولت الدولة العظمى التي قالت إنها تنتقم ممن اعتدوا على أمنها الوطني في 11 سبتمبر وما لحق ذلك في ضربات متعددة في بلدان تواجد فيها مراكز عسكرية ومدنية أمريكية تحولت إلى أهداف نوعية، والمشكل أن الحسابات التي غذت عقلية مخططي السياسة زمن بوش، وتوريط ما بعده في تركة ثقيلة، تحولت إلى اشكال سياسي وورطة عسكرية واستراتيجية تحاول الخروج منها بقدر، ولو بسيط من الوجاهة الدولية، لكن ما جرى من حوادث خارج المهمات العسكرية طغى على ما تعتقد أنه هدفها في قطع دابر الإرهاب.. لقد ورثت أمريكا للأجيال في فيتنام والعراق، وأفغانستان ودول أمريكا الجنوبية سجلاً أسود سوف يبقى لتاريخ طويل كشاهد على جرائم دولة عظمى..