يتجمع رجال حفاة عيونهم زائغة وشعرهم أشعث حول حفرة في قاع نهر جاف لمحاولة استخراج المياه في منطقة نائية بشرق السودان يسيطر عليها متمردون، حيث تعيش قبائل البجا في العصور الوسطى فعليا وسط الصحراء الشاسعة والجبال الصخرية. وكان الافتقار إلى التنمية في المنطقة احد الاسباب الرئيسية التي حركت المتمردين الذين يسيطرون على هذه المنطقة الصغيرة على الحدود مع اريتريا منذ اوائل عام 1997 كما كان استياء مماثل تجاه الحكومة البعيدة في الخرطوم عاملا رئيسيا لنشوب منازعات أخرى في السودان في منطقة دارفور الغربية والجنوب. وأصيب عمال الاغاثة بصدمة حين وصلوا إلى الشرق لاول مرة في عام 2000. وقال فيرجوس توماس المنسق الميداني للجنة الانقاذ الدولية ومقرها الولاياتالمتحدة «وجدنا وضعا انسانيا هو على الارجح أسوأ ما شهدناه في افريقيا.« وقال لرويترز من مقر اللجنة في خور ملح بشمال شرق السودان «وجدنا الامراض تتفشى بين السكان بينما لا يوجد نظام صحي ولا نظام تعليمي ونسبة الأمية تتجاوز 97 بالمئة» واضاف ان القتال أدى إلى تفاقم الوضع. ورغم وصول جماعات المعونة تسود مخاوف من ان تجعل حالة الاستياء ضد الحكومة في شرق البلاد المنطقة ساحة القتال القادمة في اكبر دول افريقية من حيث المساحة. وصدم الصراع في منطقة دارفور العالم على مدى العامين الماضيين. وفي دارفور يشكو المتمردون ايضا من تهميشهم من جانب الخرطوم. والمنطقة الشرقية هادئة نسبيا منذ عام 2002 غير ان المتمردين يهددون الان بتكثيف عملياتهم. وتتناثر الالغام ونقاط التفتيش على طول خطوط المواجهة مما يحد من امكانية ان تجوب الماشية المراعي ومن فرص العمل في مدن مثل بورسودان وكسلا. وحتى الطبيعة يمكن ان تكون عدوانية. فالمنظمات الخيرية العاملة هناك تهدر اموال المساعدات على البنزين وصيانة السيارات خلال محاولتها فقط الانتقال من مكان لآخر على طول الطرق الوعرة اعتمادا على آثار عجلات شاحنات على مدقات رملية او حتى على ذاكرة السائقين. ويقول علي طالب عضو اللجنة الحاكمة في اكبر بلدات المنطقة ان البجا يقاتلون من اجل حقوقهم التي حرموا منها منذ استقلال السودان عن بريطانيا. وقال «لم تقدم (الحكومة) لنا أي شيء منذ عام 1956.» ويعيش نحو 2,4 مليون من أفراد قبائل البجا في السودان. ويوجد نحو 400 ألف اخرين في مصر واريتريا المجاورتين الا أن ممثلي البجا يقدرون الرقم بنحو اربعة ملايين. وتتراوح التقديرات المستقلة لعدد المقيمين في المنطقة الصغيرة نسبيا التي يسيطر عليها المتمردون وتصل مساحتها إلى 15 الف كيلومتر مربع بين 45 و186 أألفا. ويقول توماس «من الصعب جدا تقدير العدد بسبب انتقال السكان من مكان لاخر.« ويبدو ان الاوضاع في المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون تحسنت قليلا في السنوات الاخيرة اذ تقدم جماعتان هما لجنة الانقاذ الدولية وسماريتانز برس ومقرها الولاياتالمتحدة الادوية والاغذية. ويقول عمال الاغاثة ان بعض افراد قبائل البجا يعودون إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، حيث الحصول على المساعدات اسهل منه في المناطق الحكومية المتاخمة، لكن ذلك لا يمثل فرقا كبيرا. في قرية مامان شاروم يرقد رجل مسن خارج عيادة طبية مصابا بمرض جلدي وسعال. ويقول انور احمد الذي ساعد في بناء العيادة «انظروا إلى هذا الرجل وابلغونا هل اصابت الخرطوم ام اخطأت؟« وتقول جماعات المعونة ان الاحصاءات من عام 2001 تشير إلى ان نسبة اصابة الاطفال دون الخامسة بسوء تغذية مزمن تبلغ 27 بالمئة في المنطقة بينما يعاني 25 بالمئة من حالات تقارب سوء التغذية المزمن. وفي العام الماضي بدأ تطبيق برنامج للمعونة الغذائية . ويقدر توماس أن الخدمات الصحية للجنة الانقاذ الدولية وتشمل التطعيم والرعاية العلاجية تصل إلى نحو 75 بالمئة من السكان ويقول «لا تشير الاحصاءات لتغيير كبير (في نسبة سوء التغذية) ولكن الغذاء اصبح متاحا بصورة اكبر.» وتتفشى عمليات ختان الاناث بينما تأكل الحوامل القليل اعتقادا بان صغر حجم الجنين يجعل عملية الوضع أسهل. ويقول عمال المعونة ان تقديرات عام 2001 تربط بين 40 بالمئة من وفيات النساء بين 16 و45 عاما من العمر وحالات وضع. وفي قرية هاشانيت يعلم الشاب آدم حسن نحو 30 طفلا القراءة والكتابة بلغة البداويت التي يتكلمها كثير من ابناء قبائل البجا. ويستخدم حسن أول كتب تمت طباعتها بلغة البداويت قائلا إن هذه الكتب ذات أهمية بالغة في الحفاظ على ثقافة القبائل وعلى «لغتي الأم».