في فصل الواردات والمصروفات والحديث عن الزكاة والجمارك والضرائب لم أجد المؤلف الكريم ذكر أرقاماً لكل ما ذكر ولو لسنة أو سنتين، حتى يتبين للقارئ أهمية منطقة عسير ومشاركتها لبقية مناطق المملكة في هذا الشأن، مع أنه يقول إن بين يديه مئات الوثائق التي تحوي تلك الأرقام السيرة عمل مضنٍ لأنه يتطلب مهارات فائقة وثقافة واسعة. ويرى آخرون أن الثقافة العربية المعاصرة لا تساعد على كتابة سيرة مقنعة، خصوصاً إذا كانت هذه السيرة عن شخصية عامة. ومن أمثلة الشخصيات العامة، من أبناء الجزيرة العامة التي كتب سيرتها الكاتب الطلعة مايكل فيلد Michael Field الذي نشر كتاباً بعنوان: أكبر رجال الأعمال في الخليج، وكتاب: سليمان العليان من عنيزة إلى وول ستريت. وأذكر أنه قال لي إن شخصيات مالية واقتصادية باهرة عاصرت وعملت في شؤون المال السعودي إبان التأسيس منهم: عبدالله السليمان ومحمد سرور الصبان، وعبدالوهاب أبو ملحة، ومحمد الطويل وغيرهم لم تُكتب عنهم سير ذات بال. تذكرتُ هذا الكلام وأنا أتصفح كتاباً أهداه لي زميلي الشيخ عبدالله بن سعيد أبو ملحة وعنوانه: عبدالوهاب أبو ملحة في جنوبي البلاد السعودية من تأليف زميلي وأخي الدكتور غيثان بن علي بن جريس. وجاء الكتاب مثل معظم تواليف الدكتور غيثان مليء بالمعلومات والصور والوثائق. وهذا صنيعٌ يُحمد له. وفي هذا الحديث رغبت مشاركة المؤلف بعض الرؤى التي عنّت. إن أول ما استرعى انتباهي في الكتاب تحديد سنوات 1340-1374 ، وقد وضعت السنوات تحت الاسم ما يوحي بأن ذلك هو تاريخ ميلاد الشخص قيد البحث وتاريخ وفاته، خصوصاً أنه لا يوجد قرينة في العنوان تحيل إلى خلاف هذا. وبعد تمعن في صفحات الكتاب عرفت أن المؤلف يقصد تاريخ خدمة الشيخ عبدالوهاب في مالية عسيروجنوب المملكة، لكن خدمته الرسمية بدأت سنة 1342ه لا سنة 1340 ه إلاّ إذا كان المؤلف يقصد حدثاً لم أتبينه في اختيار هذه السنة تحديداً. ثم رأيت المؤلف يحبذ استعمال نسبة جنوبي بدل كلمة جنوب. وهذا الاستعمال من حيث اللغة لا غُبار عليه، لكن السهل والمتعارف عليه أن نسبة: جنوبي وشمالي قليلة الاستعمال. وهو قال إنه استعمل هذه النسبة للدلالة على جنوب المملكة وجنوبها الغربي. وهذا لا يصح عند كثير من النحاة. فإن كان يقصد التثنية فهذه ليست تثنية. لأنها نسبة إلى الجنوب وحسب. أما الجنوب فمثناه (جنوبان). شغل المؤلف الكريم صفحات كثيرة بالحديث عن تاريخ جنوب المملكة قبل الحكم السعودي. والصدق أن الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة لم يبزغ نجمه إلاّ في العهد السعودي عندما أصدر الملك عبدالعزيز أمره بتعيينه مسؤولاً عن بيت مال عسير في عام 1342ه. ثم كنتُ أتمنى لو شغل تلك الصفحات بتتبع حياة الشيخ وأسرته ونشاطهم في العهد ما قبل السعودي لأنه ألصق بموضوع الكتاب ولأنه لم يرد ذكر لهذا المنحى فيما اطلعت عليه من كتب. يتضح من الوثائق المنشورة في الكتاب أن الملك عبدالعزيز فصل مالية عسير عن إمارتها. وهنا وقفتان: الأولى لم يتطرق المؤلف لتوضيح هذه النقطة تحديداً، وهل كانت معروفة في عسير قبل تولي عبدالوهاب أبو ملحة المالية؟ والنقطة الأخرى تتعلق باقتراح فصل الإمارة عن المالية، وقيل إنه جاء بناء على طلب أمير عسير في عام 1342ه. وكان المأمول أن يتوسع المؤلف في هاتين النقطتين لأهميتهما لسيرة الشخصية قيد الحديث. قال المؤلف في صفحة 53 ما نصه: إن مجلس الوكلاء الذي سمي فيما بعد بمجلس الشورى. والمعروف أن مجلس الوكلاء تحول إلى مجلس الوزراء. على أن المؤلف الكريم لم يسند ما اختاره إلى مصدر. لكن الملاحظ أنه بعد إنشاء وزارة المالية وتعيين عبدالله السليمان وزيرا لها بدأت التعاميم تصدر من مقام الوزارة لمختلف القطاعات المالية في المملكة. وكان الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة كغيره من مسؤولي المال يستلمون تعاميم تنظيمية. وهو قد بذل جهده في الاتساق مع التنظيم الجديد، إلاّ أنه فضل السير على ما اعتاد عليه، لهذا فقد بعث الملك عبدالعزيز عام 1354ه هيئة لتنظيم العمل المالي والدفتري والحسابي، خصوصاً أن المعاملات المالية غير مرتبة كما جاء في خطاب الملك. وكان المأمول أن يتوقف مؤلف الكتاب عند هذه المسألة ويتوسع في تحليل موقف الشيخ عبدالوهاب من التطورات الجديدة وكيفية تعامله معها، عوضاً عن أن يكتفي بالقول إن قلة الخبرة عند الموظفين كانت السبب في الأخطاء التي وقعت. في فصل الواردات والمصروفات والحديث عن الزكاة والجمارك والضرائب لم أجد المؤلف الكريم ذكر أرقاماً لكل ما ذكر ولو لسنة أو سنتين، حتى يتبين للقارئ أهمية منطقة عسير ومشاركتها لبقية مناطق المملكة في هذا الشأن، مع أنه يقول إن بين يديه مئات الوثائق التي تحوي تلك الأرقام. كذلك اشتهر الشيخ عبدالوهاب بسعة علاقاته في عموم جنوب المملكة ما يدخل في عمله أو غيره. والمؤلف لم يتوقف عند هذه المسألة المهمة في سيرة الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة، واكتفى بالقول: نقتصر على ذكر بعض الإشارات. والأحسن ألاّ يقتصر، ويبيّن للقارئ ما ورد في الوثائق التي بين يديه ويربطها بمجمل سيرة صاحب السيرة. وللحديث صلة