اعتاد نخبة الكتاب والمفكرين أو من يسمون أنفسهم بطبقة الانتلجنسيا أن ينظروا إلى المجتمع الرياضي بنوع من التعالي والفوقية كونهم يزعمون غياب العمق الفكري والفلسفي عن أنشطة المجتمع الرياضي ، وذهابهم في المنحى العاطفي الذي يؤجج غريزة التحدي والرغبة في الفوز والنصر مع الاحتفاء بكل ماهو جسدي وغرائزي على حساب ماهو عقلي وفكري . فطبقة الانتلجنسيا تحاول أن تترفع عن طروحات العامة وتصورهم بالصاخبين وجماهير الملاعب، بينما تتخيل أن جماهيرها محدودة وقليلة ولكنها بالتأكيد قادرة على أن تجترح المعجزات في مجتمعاتها ، وأن النخب لها الأولوية من خلال طروحات تقدمية استشرافية قادرة على أن تقود المجتمعات إلى المستقبل لتتصدر حركة التغيير ! ولكن يبدو أن هذا التصور الشوفيني الذي ظل يراوح في أبراجه العاجية عاجز عن استكناه الواقع ولم يستطع أن ينزل إلى أرض الميدان لأنه حتى هذا التصور عجز أن يفسر الكثير من المظاهر التي تحدث في المجتمع الرياضي وتتجلى فيه جميع ملامح الممارسة المدنية المتحضرة على مستوى حرية التعبير ، وتداول السلطة ، والتعبير عن الرأي . فأعتقد أن المجتمع الرياضي قد قطع أشواطا كبيرة في مايتعلق بمعالجة مشاكله عبر مناقشتها على المستوى العلني ، وعبر مشاركة الجميع ، وأيضا عبر تلبية الجماهير وفي هذا المجال قد قطع أشواطاً متقدمة منها : طبيعة الطرح الإعلامي المرافق لأنشطتهم والأسقف العالية للحرية ، ولا أدعي هنا أنني من المتابعات للإعلام الرياضي ، ولكن مروري عليها قد يعطيني إطلالة سريعة على الحريات المتاحة وطبيعة النقاشات التي تدور داخلها ، سواء في مايتعلق بالمطالبة بمحاسبة المسؤول ، والمواجهة والإعلان الصريح عن المقصر وظروف التقصير وعدم المواربة ، ومناقشة قضايا الفساد ،والمشاركة في إبداء الرأي حول تركيبة المنتخبات وماسوى ذلك من قضايا تجعلنا نخمن أن المجتمع الرياضي قد قطع شوطاً لا بأس به في درب الديمقراطية يفسح له حيزا في المشاركة بل وصناعة القرار . -أيضا هناك العلاقة المباشرة والمفتوحة بين المسؤول والجماهير الرياضية ، فنحن نراه وإياهم في الملعب ، والجماهير تلتقيه بصورة دائمة في النادي ، وأخيرا يلتقونه على صفحات الصحف عبر النقد الصريح الذي يصل إلى الحدة أحيانا ، لذا أعتقد أن عالمهم الافتراضي أي عالمهم على( النت) أكثر استقراراً مقارنة بما نشاهده من صراعات دامية على المستوى الفكري والسياسي والاقتصادي على صفحات الانترنت . لكن في نقاش المجتمعات الرياضية تظل هناك شعرة معاوية ولا يذهبون بعيداً حتى يعودوا مطالبين بتغيير لاعب أو مدرب أو لربما مسؤول . أعتقد جميع هذا الجو الصحي والإيجابي المفتوح من النقد واستقبال تعددية الآراء هو بالتأكيد الذي خلق حالة من الحراك الموازي ، وهو الأمر بالتأكيد الذي جعل رئيس اتحاد كرة القدم الشاب الذكي يتنحى عن الرئاسة في سابقة تحسب له ، قد لا تكون هزيمة المنتخب بسبب إدارته ، وقد تكون نتيجة تراكم أخطاء إدارية سابقة ، ولكن هو كان له من بُعد النظر والشجاعة والروح الشبابية التي تجعله يسن سنة سيتبعها إن شاء الله خلفه الكثير ، فالرئيس الأول مسؤول عن أداء جميع طاقمه وفريقه ، ولابد أن يتوقف عندها ويتقبل المحاسبة ، ومن ثم يفسح المكان للتغيير . المجتمع الرياضي لدينا رغم ضوضائه ونبرته المرتفعة وهدير ملاعبه، ولكنه يظل له السبق والأولوية في مايتعلق بالتعبير والمحاسبية والشفافية .