إنها أعظم رواية أسبانية تلك التي ألّفها (ميجيل سيرفانتس) عام 1605 بعنوان (دون كيشوت) ومن أكثر الروايات تأثيراً وشعبية في الأدب العالمي كله حتى نالت الرقم الأول بين أفضل مئة رواية في العالم.. بطل الرواية رجل طويل هزيل ناهز الخمسين أعزب أمضى حياته في قراءة روايات الفروسية حتى أصابه (الهوس) بأن يكون فارساً مثالياً فأخذ يعيش في أحلام يقظة متواصلة - رغم ضآلة إمكاناته - فيخرج يقاتل طواحين الهواء ويصارع أشباحاً وهو يعتقد أنه يحقق العدل والحب في عالم قبيح.. لا أدري لماذا تذكرني تلك الشخصية الأسطورية ببعض المضاربين في سوق الأسهم لدينا عندما أقرأ تعليقاتهم وتحليلاتهم في منتديات الأسهم، ربما لأن بعضهم يصب جام غضبه علىمضارب سهمه وينعته بالظلم والقهر ويدعو عليه بالويل والثبور مع أن سهمه هذا قد لا يكون له مضارب رئيسي أصلاً.. فما هذا المضارب المزعوم إلا شبح من أشباح «دون كيشوت» ثم على فرض أن لهذا السهم أو ذاك مضارباً رئيسياً فهل يريد (دون كيشوت) إجباره على رفع السهم لكي يبيع عليه؟! وهل يستطيع هذا المضارب (الشبح)،إن وجد،.. رفع السهم أصلاً؟!.. أحلام (دون كيشوت) غير عقلانية.. وكذلك بعض المتداولين الذين تنقصهم الثقافة الاستثمارية فيغامرون بكل ما يملكون في سهم واحد أو اثنين - وقد يستدينون - فإذا نزل السهم وواصل النزول لبسوا عدة الحرب ومثلوا دور الفارس المدافع عن العدالة المزعومة المطالب برفع السهم من قبل مضاربه (الظالم) الجاثم عليه مع أن هذا المضارب لا وجود له أصلاً في الغالب، وإن وجد فهو ليس مسؤولاً عن رفع السهم ليبيع عليه (دون كيشوت) بالسعر المطلوب.. إن أسواق الأسهم فيها صراع عقول لا عواطف وخيالات، لابد أن يكون المتداول واعياً واقعيّاً يعتمد - بعد الله عز وجل - على نفسه في اختيار أسهمه، وعدم التعرض للانكشاف، فإن كان لا يقدر على ذلك فليضع جزءاً من نقوده في صندوق استثماري يختاره بعناية.. رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه.