يعد «المركز الوطني للعلوم العصبية بمدينة الملك فهد الطبية» في مقدمة القطاعات الطبية المهمة المدشّنة أخيراً في القطاع الصحي، حيث بات بعد سنوات قليلة من تشغيله مركزاً نموذجياً في مجاله، وعنصراً رئيساً ضمن خطط التطوير في المدينة؛ إذ أصبح مرجعية محلية في مجال الخدمة الطبية والتشخيصية والإمكانات الحديثة والتدريب والبحث العلمي، وذلك في توجه استراتيجي بغية تحقيق المعايير العالمية لأهم المراكز المتخصصة في العلوم العصبية. «الرياض» التقت ب»د.محمود يماني» -مدير المركز الوطني للعلوم العصبية- للحديث عن نشأة المركز، والاستراتيجية التي يسير عليها وغيرها من المحاور، وفيما يلي نص الحوار: إستراتيجية المركز تعتمد على تدشين الخدمات الطبية وتطوير «البحث السريري» والدراسات العلمية تطور سريع * متى نشأ المركز؟ وكيف استطتعم تحقيق تلك التطورات خلال فترة زمنية قصيرة؟ - بدأ قسم العلوم العصبية عام 2004م بالتزامن مع تدشين «مدينة الملك فهد الطبية» كقسم تحت إدارة المستشفى الرئيسي، ثم تطور وأصبح مركزاً للعلوم العصبية، ويضم أقساماً متعددة في السنة التي تليها، حتى صدر المرسوم الملكي الكريم بإنشاء المركز الوطني للعلوم العصبية في عام 2011م، وبدأ التطور والاكتمال بشكل أكبر مما كان عليه، وذلك من خلال الهيكلة التنظيمية، حيث شملت أقسام جراحة الأعصاب للكبار، وجراحة الأعصاب للاطفال، وجراحة العمود الفقري، والأعصاب الباطنية، وأعصاب الأطفال، الصحة العقلية، إلى جانب العناية المركزة للأعصاب، والفسيولوجيا العصبية وتخطيط الأعصاب، باتصال مباشر مع جميع التخصصات الفرعية للعلوم العصبية في التخدير المتخصص بالأعصاب، والتصويرالطبي للجهاز العصبي، وعلم أمراض الأعصاب النسيجي، وغيرها من العلوم العصبية التأهيلية المتخصصة. جهاز MEG يعد من أحدث التقنيات الطبية الحديثة في جراحة الأعصاب استراتيجية وصول * ما هي الاستراتيجية التي اتبعها المركز منذ أن كان قسماً حتى أصبح مركزا وطنياً مهماً؟ - الاستراتيجية بُنيت على ثلاث مراحل متداخلة، الأولى كان الهدف الأساسي منها البروز في المجال الطبي من حيث تدشين وتطوير الخدمات الطبية المتخصصة في الأعصاب بشكل متخصص ومتكامل وعالي الدقة والجودة، بحيث يصبح هذا المركز في الفترة بين 2004 و2009 م أفضل مركز في مجاله على المستوى المحلي، والمرحلة الثانية بدأت من عام 2006م وحتى 2011م ، وكان الهدف خلال تلك الخمس سنوات يتمثل في أن يصبح يصبح المركز هو الأفضل للتدريب في كل التخصصات العصبية من خلال برامج تدريب؛ لينتقل بعدها إلى مرحلة التفوق الإقليمي وهو هدف المرحلة الممتدة ما بين 2009 إلى 2014م، ثم الدخول بعدها إلى المركز الوطني للعلوم العصبية نحو المنافسة للدخول ضمن أفضل خمسة مراكز في المجال نفسه على مستوى العالم. ومن ضمن أهداف المرحلة الثانية أيضاً تطوير البحث السريري الذي بدأ منذ تدشين المركز، ومازال مستمراً، وحقق الهدف منه في العام الماضي، حيث كان أفضل خريجي كليات الطب في المملكة هم المتقدمون للتدريب في العلوم العصبية بمدينة الملك فهد الطبية، وهذه المرحلة تنتقل إلى البرامج المتخصصة الدقيقة منها مثل برنامج التدريب في طب الصرع والتشنجات، وجراحة العمود الفقري، والجلطات الدماغية، وأعصاب الاطفال، ونطمح أن توجد برامج متكاملة أكثر؛ لتغطي جميع فروع العلوم العصبية بحلول عام 2016م، وحينها سيكون أمامنا تحد آخر هو أن نكون مركزاً مُدّرباً للمختصين من خارج المملكة، وليس فقط على النطاق المحلي بل الدولي وخصوصاً الغربي منه. د.محمود يماني واتجهت المرحلة الثالثة نحو إقامة البحث العلمي من خلال خُطة خمسّية من عام 2009 وحتى 2014م، لا تنتهي بإنتهاء المدة، وإنما يتم تثبيتها بشكل دائم؛ تمهيداً لأن تدخل في مرحلة أخرى، حيث إن البحث العلمي يأخذ شكلين رئيسين هما الأبحاث السريرية، والأبحاث المختبرية على مستوى الخلايا والانسجة الطبية، وتم التجهيز لتلك المرحلة منذ عام 2008م، من خلال إرسال استشاريين من «المركز الوطني للعلوم العصبية»؛ للتخصص في الأبحاث بالدراسة في دول متقدمة كأمريكا وكندا وأوروبا. أبحاث مشتركة * هل أبرم المركز شراكات واتفاقيات مع الجهات المتقدمة في مجال الطب العصبي؟ - يوجد عدد من الأبحاث المشتركة مع عدد من المراكز العالمية والجهات المحلية خلال السنوات الخمس الماضية، من ضمنها بحث قائم حالياً مع عدة مستشفيات أمريكية وأوروبية في تقييم نوع من أنواع جراحة العمود الفقري، إلى جانب إجراء أبحاث مشتركة مع مختصين في مجال الخلايا ما بين «المركز الوطني للعلوم العصبية» و»مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية»، وكذلك توجود أبحاث مشتركة مع «جامعة الملك سعود». وفي عام 2014م ستأتي الخطوة التي تتبع الخمس سنوات السابقة في الناحية البحثية وهي تدريب الأطباء على كيفية البحث العلمي على مستوى الخلايا أو البحث العلمي السريري المبني على الاحصاءات، وبناء على خطة الابتعاث المطبقة حالياً سوف يتواجد في المركز بحلول عام 2014 عشرة باحثين مختصين في مجالات مختلفة في العلوم العصبية. توسع مدروس * ماذا تطلبت القفزات الهائلة التي مر بها المركز؟ - لا شك أن التوسع في تقديم الخدمات الطبية لا يتوقف على توفير البُنية المادية والتقنية، بل يعتمد بالمقام الأول على وجود الكوادر البشرية، وتم العمل على استقطاب وتأهيل طاقات متخصصة وقادرة على دعم الحركة التوسعية في المركز، ويوجد الآن 36 طبيباً استشارياً، وكذلك عدد مماثل من الكفاءات يتدربون في أمريكا وكندا، ونعمل على أن يصل عدد الاستشاريين في الخطة التشغيلية لعام 2014 مع اكتمال المبنى إلى 102 استشاري. أحدث التقنيات * ما هي أبرز وأحدث التطورات التي جلبتموها في مجال العلوم العصبية؟ - يعد هذا الجانب من أهم الوسائل التي تم استهدافها بشكل رئيسي؛ لتطوير مستوى الخدمة الطبية المقدمة حيث كان توفير التقنيات الحديثة يمثل أولوية بالنسبة لنا؛ لأن هذا في حد ذاته يجذب كثيراً من الأطباء والفنيين الذين يرغبون في العمل في مكان متقدم التقنيات يُطور أداءهم ومعرفتهم وخبراتهم، وكان من ضمن الإمكانيات جهاز الرنين المغناطيسي داخل غرفة العمليات (في جناح جراحة المخ والأعصاب) حيث أجريت بواسطته 350 حالة جراحة أعصاب، كما أوجدنا وحدة متقدمة لمراقبة الجهاز العصبي أثناء العمليات، ويسعى أطباء الجهاز العصبي دائماً للعمل بتقنية أكثر قدرة على حماية المريض؛ مما يسهل إستقطاب المختصين في أمراض الجهاز العصبي. كما أنه يوجد عدد من التقنيات المستخدمة للمرة الأولى في الدول المتقدمة، مثل تقنية صبغ الورم من خلال مادة عبر الوريد أثناء العملية، بحيث يسهل عملية استئصاله بدقة أكبر، إلى جانب إنشاء قسم الفسيولوجيا العصبية ليصبح مستقلاً وقادراً على التوسع وزيادة التقنيات، حتى أصبح حالياً يحتوي على كل أنواع التخطيط العصبي وبقدرات استيعابية كبيرة، إضافة إلى ذلك، وفّر المركز جهاز MEG الذي يقيس الترددات المغناطيسية بالتخطيط وليس بالتصوير، والجهاز غير موجود في الشرق الأوسط سوى في المركز، ويوجد 30 وحدة منه في العالم، وهو الاتجاه الحديث الذي تركز عليه جراحة الأعصاب باستخدام التصوير داخل العملية والتخطيط والرنين المغناطيسي والمراقبة العصبية أثناء الإجراءات التداخلية والجراحية. ومن أهم مميزات جهاز MEG احتواؤه على الكثير من القدرات بالرغم من أننا لم نستخدمه بالكامل، وسنعمل خلال المرحلة المقبلة على توظيف الجهاز لمعرفة بعض الوظائف الدماغية غير المعروفة مثل الإحساس والمشاعر، وربطها بالسلوك والذاكرة والتصرف، وتحديد أماكن وظائف معينة داخل الدماغ، وهذا يساعدنا على دراسة سلوكيات معينة، وما إذا كانت مرضية أو اختيارية للشخص أو مرتبطة بخلل في الجهاز العصبي، لاسيما أنه توجد وظائف دقيقة مازالت غير معروفة، وهذا الجهاز باستطاعته أن يدرس هذه الأمور، و سيكون جزءاً من اهتمامات البحث العلمي بالمركز الوطني. كوادر مختصة * في ظل عدم وجود جهاز MEG في المنطقة كيف استطعتم إيجاد كوادر تستطيع العمل عليه بما يحقق الإفادة منه؟ - لدينا مختصون درسوا في هذا الجانب وتم تجهيزهم لاستخدام الجهاز قبل توفيره، كما تم إبلاغ الكوادر الطبية المبتعثة والمتخصصة في الأعصاب الباطنية أو التشنجات أو أعصاب الأطفال وغيرها، قبل وقت كاف عن النية باستقطاب هذا الجهاز؛ من أجل أن يكتسبوا المعرفة والمهارة في كيفية استخدام الجهاز بعرفة تامة، والآن لدينا فريق طبي كامل لتشغيل الجهاز بشكل جيد، إلى جانب أن المركز يعمل على تطوير الأجهزة المذكورة، وبصدد توقيع إتفاقية بحث مشترك مع «المجلس الوطني للأبحاث بكندا»؛ لتطوير جهاز محاكي للجراحات العصبية ضمن إطار الإتفاقية السعودية الكندية، كما يسعى المركز لإقامة دبلوم تدريب لفنيي الأشعة لإستخدام إجهزة الملاحة العصبية. وفي إطار خطة تطوير البحث العلمي يسعى المركز حالياً بالإشتراك مع «مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إلى إقامة مركز أبحاث تصوير الجهاز العصبي والذي تتم دراسته كمشروع مشترك بين المركز الوطني و»جامعة مونتريال الكندية» بدعم من «مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية» وتحت إشرافها. العمود الفقري * ماذا عن تقنيات جراحة العمود الفقري؟ - بالنسبة لتقنيات تلك الجراحة، يعد المركز رائداً في إنشاء قسم متنقل لجراحة العمود الفقري، تُجرى فيه أكثر العمليات تعقيداً وعلى أعلى مستويات الجودة باستخدام أحدث التقنيات، ويتم حالياً بحث إمكانية استخدام «الروبوت» لتثبيت العمود الفقري جراحياً، مما قد ينتج عنه بمشيئة الله إدخال تقنية جدية الى جراحة العمود الفقري.