في الأساطير الشعبية المحلية يحكى: أن الخروف والتيس كانا يرعيان في أحد الأحراج، فرأيا ذئباً قادماً من بعيد فهربا مسرعين إلى حظيرتهما، ولما أصبحا آمنين استلقى التيس على ظهره من شدة الضحك ولم يتوقف من نوبة الضحك هذه إلا بعد فترة، ولما سأله الخروف عن السبب قال: لقد رأيت عورتك يا ابن عمي حينما انكشفت إليتك وكنت راكضاً..!! فضحك الخروف ضحكاً أشد من ضحك التيس، فلما سأله التيس عن سبب ضحكه هو الآخر قال: أضحك استغراباً وتعجباً منك..!! ضحكت مني كل هذا الضحك لأنك رأيت عورتي مرة واحدة وأنت مكشوف العورة منذ يوم ولادتك!! تذكرت هذه الأسطورة حينما سمعت عن احتجاج أمريكي حول حقوق الإنسان، لأن دولاً خليجية تستخدم الأطفال صغار السن في سباق الهجن. أضحك وستضحك معي حتى البهائم.. نعم البهائم على احتجاج أمريكا الفج المغفل.. فأمريكا آخر من يتحدث عن الإنسان وحقوقه.. أمريكا التي تحصد الأطفال، بل وتعتقلهم، وتكمم رؤوسهم في أكياس الزبالة.. تتحدث عن كرامة الأطفال..؟! كلنا ضد استرقاق الأطفال، والاتجار بهم، وإهانتهم، واستئجارهم لأي سبب كان. تماماً مثلما كلنا ضد الاتجار بالرقيق الأبيض في أي مكان..!! بل الكثير منا ضد تعذيب البهائم وجلدها بالسياط من أجل الزعيق والتصفيق.. لكننا لا نحتمل ولن نتحمل إهانة عقولنا من قبل أمريكا، التي تذرف دموع التماسيح، وتنتحب من أجل حقوق الأطفال في العالم.. فأمريكا كما قلت آخر من يتحدث عن حقوقهم، لأن الإحصائيات العلمية تقول إن أمريكا خلال ستة عقود مضت قتلت، ويتمت، وأعاقت، وشوهت آثار حروبها أكثر من مائتي مليون إنسان في العالم، أمريكا التي لوثت إشعاعاتها النووية معظم أجزاء الكرة الأرضية، وأحرقت قنابلها ملايين الهكتارات من المزارع.. أمريكا التي تحرق مزارع القمح في تكساس، وكلورادو، وكنتاكي، وأطفال أفريقيا تتفسخ عظامهم من الجوع أمام عينيها، وتحت أنظار أقمارها التجسسية التي شوهت سماء الليل، فلم نعد نرى نجمة طبيعية.. أمريكا لم تر إلا طفلاً يشد إلى ظهر جمل..؟! أمريكا التي تدك مآذن الفجر في العراق على الباكين على أطفالهم، وتحول المدن إلى مقابر جماعية موحشة مهجورة حتى من الريح.. تعطينا دروساً إنسانية في حقوق الأطفال..؟؟ أمريكا التي حولت كل أطفال الشرق الأوسط مع ربيبتها إسرائيل إلى مرضى نفسيين، يتبولون في فرشهم بسبب كوابيس الذعر والموت من مشاهدات الذبح الشاروني في فلسطين، والأمريكي في العراق، وأفغانستان، وفي كثير من بقاع العالم..! أمريكا التي أسقطت على أطفال لاوس وحدها مليوني طن من القنابل..! أمريكا ووزيرة خارجيتها «رايس»، التي يتدفق وجهها عطفاً، وحناناً، إلى درجة أنها لو نظرت إلى حجر لفلقته نصفين.. تعطينا دروساً في حقوق الأطفال..؟ فتنصحنا أن لا نرفع أصواتنا عليهم، أو أن نحكي لهم حكاية الغول والعنقاء قبل النوم، لكي لا يتكدر نومهم ولا يروا أحلاماً مزعجة..؟ أمريكا التي تعالج قضاياها السياسية بالحصار الاقتصادي على كثير من الدول العربية، والإسلامية، فتمنع عن أطفالها الحليب والأدوية، تسببت في وفاة مليوني طفل في العراق وحده بسبب حصار ثلاثة عشر عاماً، وبسبب ما ألقته من أسلحة منضبة خلفت أمراض السرطان والكبد الوبائي وعشرات الأمراض. أمريكا هذه أصبحت بقدرة قادر طيبة القلب.. لطيفة، رحيمة، إلى درجة تجعلها تشفق حتى على صغار الجن والشياطين..! مصيبة أمريكا أنها لا تحتقر لحوم الشعوب، وكرامتهم فقط..!! بل وتحتقر عقولهم.. فأمريكا لديها أكبر مصنع تاريخي للكذب. تكذب، وتكذب، وتكذب.. تغسل الكذبة بصابون كذبة أكبر منها، فما تبثه في الصباح تنفيه في الظهيرة، وما تقوله في الظهيرة تغيره في المساء.. وهكذا. فنحن نفطر على كذب، ونتغدى على كذب، ونتعشى على كذب، أي أننا نعيش على وجبات كذب سريعة على طريقة وجبات «ماكدونالدز».. لأن أمريكا تعتقد أن ذاكرة الشعوب، وبالذات الشعوب العربية، أقل درجة من ذاكرة الدجاج.. وبمناسبة الدجاج فربما يأتي يوم تحتج فيه أمريكا علينا لأننا نذبح الدجاج على الطريقة الإسلامية، وربما أيضاً على صيد السمك بالصنارات القديمة التي ليست من النوع الأمريكي الجيد «Penn fishing» التي تصنع في فيلادلفيا - وبالمناسبة فقد تمت صياغة الدستور الأمريكي في هذه الولاية -.. أقول ربما تحتج لأن ذلك كله مخل ويتنافى مع حقوق الرأفة والرفق بالحيوان. لقد أصبحت حياتنا في ظل هذا الشقاء نكتة كبرى، بل ومهزلة كبرى أشبه بمسرحية هزلية تلبس فيها راقصات المواخير لباس المسوح، ويلعب فيها السفاحون، والقتلة، دور النساك وملائكة الرحمة، وتضحك فيها التيوس التي تولد مكشوفة العورة على الخراف المستترة منذ يوم ولادتها..!!