فيما بدأت معركة الترشيحات الرئاسية تدق طبولها بقوة وتنعكس اصداؤها سواء على مستوى الشارع او وسائل الاعلام- بدا واضحا ان نتائج هذه المعركة وساحتها الكبرى معلقة على رؤية الناخبين للمرشح القادر على تحقيق الحلم المصري الكبير في اقامة دولة الحرية والعدالة والكرامة. تحليل نفسي: رئيس مصر المقبل يجب أن يكون شاباً ومتوسط الذكاء وبعد ان فتحت ثورة الخامس والعشرين من يناير ابواب الحرية ومن بينها باب جدل مثير حول الرئيس القادم لمصر- تواصل بعض الصحف ووسائل الاعلام اجراء استطلاعات للرأي حول المرشح الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية المزمعة فيما تشير نتائج هذه الاستطلاعات لمحورية الحلم المصري الكبير في تحديد نتائج معركة الانتخابات الرئاسية. ولايعني هذا الحلم المصري مجرد الاكتفاء بترديد شعارات او خطابات لاتصمد امام الواقع وانما يعني وجود برنامج شامل ومتكامل وقابل للتطبيق كما هو الحال على سبيل المثال في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجرى في السادس من شهر نوفمبر القادم. وقالت لجنة الانتخابات الرئاسية المصرية ان باب الترشح سيفتح في العاشر من شهر مارس المقبل وحتى الثامن من شهر ابريل التالي فيما ستجرى الانتخابات وتعلن نتيجتها قبل نهاية شهر يونيو القادم. وكان 12 مرشحا محتملا قد اعلنوا بالفعل اعتزامهم الترشح رسميا في الانتخابات الرئاسية واطلقوا حملاتهم الانتخابية غير ان هناك العديد من الاسماء المطروحة بصورة غير رسمية ومن غير المستبعد خوضهم معركة الانتخابات وترشحهم رسميا على امل الفوز بمنصب الرئيس. ورصد مراقبون ل " الرياض " على انه لأول وهلة يتضح جليا من متابعة مجريات المعركة الانتخابية الرئاسية التى تدق طبولها في الولاياتالمتحدة عبر الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري ان الحزبين يتباريان في اقناع الناخب بأن مرشح كل حزب منهما هو صاحب البرنامج الكفيل بتحقيق الحلم الأمريكي الذي هو حلم غالبية المواطنين في التمتع بمستويات معيشة جيدة وتوفير فرص العمل وتوسيع نطاق شبكات الامان الاجتماعي وتطوير التعليم وتحسين الخدمات الصحية. وفي مواجهة المرشح الرئاسي المرجح للحزب الجمهوري ميت رومنى-يركز الرئيس باراك اوباما كمرشح للحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية القادمة على امكانية تحقيق الحلم الأمريكي بصيغ واقعية وآليات تحقيق هذا الحلم بعيدا هذه المرة عن الشعارات الرنانة او الاكتفاء ببلاغة الكلمة. ولأن المعركة الانتخابية الرئاسية ساحتها الكبرى هي الحلم فقد عمد ميت رومني ومعه الحزب الجمهوري للطعن بقوة في قدرة اوباما على تحقيق الحلم الأمريكي وذهب المرشح المرجح لهذا الحزب الى ان اوباما جعل تحقيق الحلم اكثر صعوبة ضاربا امثلة متعددة من واقع المشهد الاقتصادي الراهن ومؤكدا على العلاقة الجوهرية بين الاقتصاد والأمن القومي بالمعنى الشامل. وفيما يتفق الحزبان الديمقراطي والجمهوري معا على "شرعية الحلم الأمريكي" فان الخلافات والمعارك الضارية بينهما تتمحور حول السبل والآليات لتحقيق هذا الحلم وتجسيده في واقع الحياة اليومية للمواطن في الولاياتالمتحدة جنبا الى جنب مع التمسك بالمبادىء المؤسسة لأمريكا والتي تحولت بمقتضاها الى القوة الأعظم. ولم يبتعد رجل الشارع المصري كثيرا عما يحدث في ارقى الديمقراطيات وهو يتحدث بصيغ متعددة حول اهمية شعور الرئيس القادم بنبض الشارع وتحقيق الحلم المصري في اقامة دولة الحرية والعدالة والكرامة فيما اكدت العديد من التعليقات في الشارع على اهمية ان يتعلم الرئيس الجديد من اخطاء وخطايا النظام السابق بغرض تفاديها والحيلولة دون تكرارها. وتبدو مسألة تعليم الرئيس في دولة كالولاياتالمتحدة حيوية للغاية حتى ان الرئيس الحالي باراك اوباما يقضي وقتا يوميا للتعليم واعادة التعلم ودراسة الأخطاء على وجه الخصوص لتفاديها في المستقبل كما يقول الكاتب والصحفي الأمريكي بيتر بيكر في دراسة مستفيضة حول مسألة "تعليم الرئيس". وتتجلى اهمية حسن اختيار مساعدي الرئيس في الحالة الأمريكية حيث ينهض هؤلاء المساعدون داخل البيت الأبيض بدور كبير في عملية تعليم الرئيس وتبصيره بالسلبيات ومواطن الضعف في الأداء الرئاسي. وتشكل رغبات واتجاهات الرأي العام حجر الزاوية في اجندة واولويات واداء رئيس الولاياتالمتحدة فهو يسعى دائما لتوفيق السياسات مع هذه الرغبات والاتجاهات. وافضى اوباما للكاتب والصحفي الأمريكي بيتر بيكر بأنه يحتفظ دائما ببرنامجه الانتخابي الذي وصل به للبيت الأبيض ويعود اليه بانتظام للتعرف بدقة على ما تم تحقيقه من هذا البرنامج واستكمال تنفيذ ما لم يتحقق في مدى زمني معقول فالاحساس بالزمن مسألة هامة للغاية في الأنظمة الديمقراطية خلافا للأنظمة الاستبدادية. وتمنى الكاتب الصحفي صلاح منتصر وهو يتابع اسماء المرشحين للرئاسة وجود ما وصفه "بكتالوج يمنع تعطيل المرور خلال موكب الرئيس واطلاق اسمه على كل شيء واي شيء". ومع ان فتح باب الترشح رسميا للانتخابات الرئاسية المصرية لم يبدأ بعد-تتردد اسماء عديدة كمرشحين في انتخابات الرئاسة من بينها عمرو موسى وعبد المنعم ابو الفتوح و عبد الله الأشعل وحمدين صباحي وحازم ابو اسماعيل. وتتسابق الصحف ووسائل الاعلام في اجراء مقابلات مطولة مع هؤلاء المرشحين المحتملين لمنصب الرئيس والقاء اضواء على رؤى هذه الشخصيات في قضايا السياسة الداخلية والخارجية وهموم الاقتصاد والقضاء على الفقر والبطالة والعشوائيات. وعلى من يرغب في ترشيح نفسه لمنصب الرئيس كمستقل من خارج الأحزاب ان يجمع 30 الف توقيع من 15 محافظة مصرية على الأقل بحد ادنى الف توكيل من كل محافظة فيما ينتظر ان تشهد مرحلة ما بعد الترشيح مناظرات حامية ومساجلات مثيرة بين المرشحين. وذهب الكاتب والباحث المرموق السيد يسين الى صعوبة هذا الشرط الخاص بالمستقلين الذين يرغبون في ترشيح انفسهم لهذا المنصب الجليل غير انه اكد في ندوة كانت عقدت بدار الكتب انه في ديمقراطيات غربية مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا لايأتى رئيس للبلاد من خارج الأحزاب اي انه ليس هناك من حظ للمستقلين ليشغلوا المنصب الرئاسي. واضاف السيد يسين : غير ان الحال مختلف تماما في مصر فغالبية من اعلنوا عن اعتزامهم ترشيح انفسهم لمنصب رئيس الجمهورية لايعبرون عن احزاب سياسية وانما يعبرون عن انفسهم وهذا الوضع -على حد قوله-مضاد للتقاليد الانتخابية في الديمقراطيات العريقة حيث الأحزاب السياسية هى التى تقدم المرشحين للرئاسة. وبطرافة-لاحظ السيد يسين ان الاعلام استطاع ان يوقع ابرز المرشحين المحتملين للرئاسة في فخ خطير حينما وجه لهم سؤالا هو :"اذا فزت بمنصب رئيس الجمهورية فما هو اول قرار ستتخذه"؟.. معتبرا ان العديد من الاجابات انطوت على سذاجة سياسية مفرطة بل وعلى عدم فهم للانجاز التاريخي لثورة 25 يناير وهو القضاء النهائي على الحكم الفرعوني الذي كان يجعل رئيس الجمهورية يتخذ القرار منفردا. ويقول السيد يسين: لم يلاحظ هؤلاء للأسف الشديد ان الشعب المصري لن يسمح للرئيس بعد ذلك ابدا -ايا كانت توجهاته السياسية-ان يتخذ قرارات اساسية في السياسة الداخلية او الخارجية بغير موافقة مجلس الشعب وبعد مناقشات نقدية مستفيضة وفي ضوء استطلاع الرأي العام والحصول على تأييده.. فقد انتهى عصر الفرعونية السياسية وبدأ عصر الديمقراطية المسؤولة. ويطالب رجب عبد المعبود الذي يعمل كسائق عربة اجرة في القاهرة الرئيس القادم بأن يستخلص العبر والدروس المستفادة من التجارب السابقة وان ينحاز للبسطاء والكادحين ويلبى اشواقهم في حياة افضل. ويقول الكاتب والصحفي الأمريكي بيتر بيكر ان اوباما تعلم ان عليه ان يجيد قواعد اللعبة السياسية في واشنطن ان اراد الفوز في واشنطن كما تعلم اهمية الاستفادة من تجارب الرؤساء السابقين في البيت الأبيض ويهتم بشدة بقراءة ما كتبوه او كتب عنهم. ويلفت هشام حسين المحاسب باحدى شركات القطاع العام لخطورة مشكلة العشوائيات التى تركها النظام السابق تستشري دون اي حل جدي يتيح حياة انسانية لهذه الكتلة من المصريين. وفي الديمقراطيات الغربية تبدو الفكرة التعاقدية واضحة وجلية في مسألة المنصب الرئاسي ومن ثم فان الرئيس هو الذي يخشى في الواقع امكانية ازاحته عن منصبه بارادة الشعب ان اخل بشروط التعاقد كما لاحظ الكاتب الصحفي عاطف الغمري في سياق تناوله لمعايير الدول الديمقراطية عند اختيار رئيس الدولة. فنجاح الرئيس او فشله في الأنظمة الديمقراطية يتوقف على قدرته في ان يحقق للشعب امانيه وان يستوعب في داخله المشاعر العامة للمواطنين الذين اوصلوه لهذا المنصب وان يكون لديه المعرفة والاساس السليم لصنع القرار والمبادرة وامتلاك الرؤية المستقبلية وان يكون قارئا جيدا للتاريخ في بلد مثل مصر. وحتى انطلاق ثورة يناير الشعبية عمدت شخصيات ورموز نظام الحكم السابق للتشكيك في جاهزية واستعداد الشعب المصري للديمقراطية في توجه يعكس ضمن امور عديدة جهلا فادحا بتاريخ مصر وشعبها وخصائص شخصيتها القومية وتجربتها البرلمانية التي ترجع للقرن التاسع عشر فضلا عن نضال ابنائها من اجل الديمقراطية واحترام الدستور. ويرى السيد يسين ان من اهم انجازات ثورة 25 يناير انها اسقطت بضربة واحدة مايسميه "بالفرعونية في مصر" الى الأبد منوها بأن ثورة 25 يناير قامت واستطاعت بحكم التأييد الجماهيرى المليوني لها ان تسقط النظام السلطوي وان تمهد لقيام نظام سياسي جديد لتحقيق الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية. ومن الطريف ان استاذ الطب النفسي الدكتور احمد عكاشة حدد المواصفات المثالية للرئيس القادم لمصر بأن يكون شابا منتقدا تخطى العديد من المرشحين المحتملين لسن ال65 عاما في بلد نحو 95 في المائة من سكانه اقل من سن ال 60 عاما ونحو 60 في المائة من سكانه اقل من سن ال30 عاما كما يؤكد على ضرورة تمتعه بعنصر الكاريزما او سحر الشخصية ولعل الأكثر طرافة ان الدكتور عكاشة يفضل ان يكون الرئيس متوسط الذكاء بدلا من ان يكون "ذكيا جدا". وفي المقابل-يطالب محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب "بتخطي الرؤية السطحية التى تجعل احد معايير اختيار رئيس الجمهورية هي السن وليس الكفاءة او الخبرة والحنكة السياسية او الشخصية القيادية والقدرة على التعامل مع مختلف الاتجاهات السياسية في الداخل وعلى تأكيد دور مصر السياسي في الخارج وهو ما نحتاجه بشدة في المرحلة القادمة". واشار الكاتب الصحفي عاطف الغمري الى ان كثيرا من دراسات علم النفس السياسي سلطت الأضواء على سلبيات طول مدة بقاء رئيس دولة ما في منصبه الرئاسى واختزال الدولة في شخص الرئيس لتبقى الديمقراطية هى الحل بقدر ماتحصن الرئيس من اي زلات قد تنزلق به اليها اغراءات الكرسي. غير ان الطالبة الجامعية زهرة محمود تعرب عن تفاؤلها بأن الزمن لن يعود للوراء في مصر وان الرئيس القادم سيعمل من اجل كل المصريين في ظل دولة القانون والحرية والعدالة. وسيحدد الدستور الجديد سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية وطابع نظام الحكم ولاحظ محللون ان الانتخابات الرئاسية المقبلة مرتبطة بقوة ببحث المصريين عن افضل نظام سياسي لجمهوريتهم الجديدة فيما تتعدد الاجتهادات والمطالب ويتسع نطاق الجدل حول السؤال الكبير :"اي مصر نريدها"؟. وهكذا يموج فضاء مصر وشوارعها الآن بالأسئلة حول النظام الرئاسى والنظام البرلماني والدولة المدنية وتتردد مصطلحات مثل الليبرالية والمرجعية الدستورية وسط حوار ثري بين القوى السياسية ومكونات المجتمع المصري. فمسألة اصول النظام السياسي الجديد تبدو ملحة وبالغة الأهمية لضمان تحقيق اهداف ثورة 25 يناير والحلم المصري كما انه من الأهمية بمكان دراسة النماذج التاريخية لمجتمعات اخرى شهدت ثورات كبرى ونجحت في اقامة انظمة ديمقراطية. وكان الدكتور احمد زويل الحائز على جائز نوبل في الكيمياء عام 1999 قد نوه بعد ثورة يناير "بأن هناك الان طاقة جديدة وهواء جديد مثلما يقول المصريون غير ان السؤال الكبير يدور حول كيفية تحويل هذه الطاقة لصياغة مصر جديدة تنعم بالديمقراطية وقادرة على البقاء سياسيا واقتصاديا". ورأى زويل ان العامل المحوري يكمن في المضي قدما في بناء الثقة بين افراد الشعب مع الاطلاق الفوري لمشروع ضخم يأسر الباب المصريين ويرمز لما يمكن للمستقبل تقديمه مؤكدا على ان المشروع الوطني في حقبة ما بعد ثورة يناير يجب ان يتعلق بالتعليم بعد ان عاين المصريون بأنفسهم وعانوا من تردي نظام التعليم على مدى ال30 عاما الماضية. ويراهن الدكتور احمد زويل على الحلم المصري في الديمقراطية والتنمية المستدامة معتبرا ان الاستثمار في التعليم والرخاء الاقتصادى هو السبيل الأمثل لبناء شرق اوسط سلمى وعادل ونوه بأن الثورة المصرية لم تحمل ايديولوجية سوى التغيير السلمي واظهرت بجلاء ان الشعوب العربية تتطلع للحرية والعدالة. وعندما يقول الشعب كلمته ويمنح ثقته للمرشح الموعود بين مرشحي الانتخابات الرئاسية فعليه ان يتذكر دوما منذ اللحظة التي يدخل فيها مقر الرئاسة ويمشي فيها بخطاه على بساط المكتب الرئاسي ويجلس عليه رئيسا منتخبا لمصر انه دخل هذا المكان بارادة الشعب مكلفا مع بقية المؤسسات الدستورية بتحقيق الحلم المصري في اقامة دولة الحرية والعدالة والكرامة.