كنتُ في اجتماع مع بعض الإخوة وكان الحديث ذا شجون فقال بعضهم يا شيخ عبدالله كنا قبل بضع سنين ننادي بحق المرأة في عضويتها في مجلس الشورى وفي الإفتاء وفي المجالس البلدية وكنا نقابَل من علمائنا بالرد والإنكار، واليوم يفتى علماؤنا بحق المرأة في ذلك ويستدلون على الجواز بوقائع ومسالك من صحابيات مع إخوانهن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث صدرت منهن المشورات الصائبة والفتاوى الوجيهة، وكان من علماء المسلمين نساء عالمات فقيهات أخذ عنهن العلم الكثير من علماء الأمة فما الذي غيّر الأمر من محظور إلى مباح؟ وهل يُطمع في المستقبل بمثل هذا في قيادة المرأة وإباحته بعد منعه؟ فقلت لقائل هذا القول: ما أعرف أحداً من علمائنا قال بأن المرأة لا يحق لها أن تكون عالمة وأن تبدي رأيها ومشورتها في أي أمر من الأمور العامة.. وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومنهم أخواتهم كعائشة وأسماء وحفصة وسودة رضي الله عنهن، وكذلك سيرة التابعين والتابعات وقد وجد فيهن العالمات والفقيهات، والتاريخ الإسلامي يشهد بذلك ويثبته. ولكننا لا نستطيع أن نجد من أخواتنا المؤهلات للعلم والرأي والشورى في صدر الإسلام من كان يختلط بالرجال في مجال العلم والفتوى والشورى بل الأمر معهن في ذلك وفق أمر الله وتوجيهه: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسلوهن من وراء حجاب) ولا يخفى ما عليه أهل العلم من أن صوت المرأة ليس عورة، والملك - حفظه الله - حينما قرر للمرأة حق عضويتها في مجلس الشورى وفي المجالس البلدية قيَّد تنفيذ ذلك بالضوابط والقيود الشرعية. ولاشك أن من أهم الضوابط والقيود الشرعية أن تكون المرأة العضوة في مجلس الشورى وغيره في حجاب عن الرجال بمعنى أن يكون لهن قاعة مفصولة عن قاعة الرجال. وأن تكون الواحدة منهن في لباس يضمن لها الاحتشام والحجاب الشرعي في دخولها وخروجها، وأن تبدي رأيها ومداخلاتها بقول يدفع عنها الخضوع في القول، وأن يكون عمرها المخول لها العضوية في أشده وأن تكون ذا تأهيل علمي وسلوكي والملك - حفظه الله - حينما قرر جواز اشتراك المرأة في الشورى وفي المجالس البلدية شرط ذلك بقيود وضوابط ولاشك في صدور لائحة نظامية توضح هذه القيود والضوابط وفق المقتضيات الشرعية. وأنا أحد طلبة العلم في بلادنا لي بحث بعنوان: المرأة ما لها وما عليها نشر هذا البحث قبل عشر سنوات ذكرت فيه أن للمرأة الحق أن تكون عضوة في الإفتاء وفي الشورى وأن تكون عميدة لأي كلية من الكليات النسوية، وأن تكون عضوة في مجالس الكليات وأقسامها بشرط منع اختلاطها بالرجال، وما صدر به أمر مليكنا المفدى ليس مجانباً مقتضى شرعياً وليس رجوعاً عن منكر كان. وإنما هو تأكيد من الدولة بحقها في إبداء الرأي في الأمور العامة، والذي هو محل نظر هو أن تسند إليها أمور ولائية عامة كوزارة أو رئاسة وزارة أو رئاسة دولة فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (لم يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) فلم يثبت في تاريخ الإسلام في عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى عصور قريبة أن أُسندت الولاية العامة إلى امرأة سواء أكانت الولاية ولاية إدارية أم كانت ولاية قضائية. ولعل الحكمة في ذلك أن عاطفة المرأة أقوى من فعلها. وأما ما يتعلق بسياقة المرأة فليس المنع من ذلك أنها ليست أهلاً لها فقد يكون في أخواتنا من هي أقدر على القيادة من بعض الرجال ولكن المحذور من جواز قيادتها انفلاتها من أسرتها لاسيما المراهقات من فتياتنا فهن لم يسلمن من مرضى القلوب من شبابنا وهن في الأسواق أو في الطريق إلى أعمالهن أو مدارسهن. وقد يقول من يرد على هذا القول بأن الشباب المراهقين يخشى عليهم ما يخشى على المراهقات وهذا صحيح إلا أن المجتمع يتساهل مع تجاوز المراهق الذكر وينسى ما يكون منه من تجاوزات مهما كانت إذا تاب وأناب. بينما الفتاة إذا كان منها تجاوز لا يُنسى وتبقى سمعتها السيئة سيئة مهما تابت واستقامت هذا من الناحية السلوكية والأخلاقية. وأما من الجوانب المرورية والاقتصادية وتكليف الأسر بما يرهقها فهذا يعرفه أهل العلم في ذلك. وأذكر أنني كنت مشاركاً في الدورة الثانية أو الثالثة في الحوار الوطني المنعقد في المدينةالمنورة قبل بضع سنوات و وكان موضوع الحوار شؤون المرأة وقد حضره من الأخوات مجموعة من ذوات الثقافة والفكر ورجاحة العقل وقدمن بحوثاً قيِّمة وتقدمن بمداخلات وملاحظات وتعقيبات وجيهة وقد وجهت إحداهن سؤالاً وجهته إليَّ بالذات عن قيادة المرأة للسيارة ما هو المحذور في ذلك فذكرت أن هناك مجموعة محاذير أهمها أن لدى شبابنا وشاباتنا المراهقين والمراهقات اندفاعاً إلى التجاوز الأخلاقي تغذيه مجموعة عوامل. ويؤكد ذلك ما تتلقاه الفتيات في الأسواق وأماكن الاختلاط العام من الشباب من صنوف الأذية والاستفزاز وما قد يكون من فتياتنا المراهقات من قبول لهذه الاستفزازات فكيف إذا أعطيت واحدتهن سيارة تقودها حيث تشاء؟ وختمت قولي للأخت في جلسة الحوار بأن مثلكن أيتها الاخوات الكريمات لو اقتصرت قيادة السيارة عليكن وأمثالكن ممن بلغن أشدهن عقلاً وبصيرة وسلوكاً وثقافة لما كان التردد في منح الواحدة منكن رخصة القيادة. ولكن الذريعة الغالب على الظن توصيلها إلى المحذور يجب سدها. وخلاصة قولي التوجه إلى إخواني بتقوى الله تعالى وإحسان الظن بإخوانهم علماء بلادهم فهم شاطئ أمان أمنهم واستقرارهم ودليل مسيرتهم، وحكامنا سدد الله خطاهم يرجعون إليهم في كل صغيرة وكبيرة ويعتمدون في قراراتهم على ما يصدر من علمائهم من توجيه وتوضيح وقرارات وفتاوى وإذا وجدت فتاوى تتزامن مع العصر مع مراعاتها تحقق المقاصد الشرعية وانتفاء تعارضها مع نصوص الكتاب والسنّة والاجماع فهذا سر الاعتقاد بأن ديننا صالح لكل زمان ومكان. وقد اتفق المحققون من أهل العلم على أن الفتوى تتغير بتغير الأحوال والظروف والزمان إلا أن التغير يجب أن يكون في إطار المقاصد الشرعية والنصوص المرعية وأن يكون مسيره التيسير بشرط انتفاء الإثم. والله المستعان..