منذ عام تقريباً والمواطن اليمني يكابد سلسلة أزمات متواصلة حلقاتها وشاملة لكل مجالات حياته دون استثناء.. إشكالات متعاقبة ومتوالدة عن بعضها كأمواج البحر، تسببت بانكسارات وهزائم نفسية واجتماعية وأخلاقية حرمت المواطن من مجمل حقوقه التي تفرضها وتحتمها القيم الدينية والوطنية والإنسانية، وتبدلت مفاهيم العلاقات السائدة والمبادئ الحياتية العامة التي تضمن لكل مواطن آدميته، وتعطيه الأمل في حياة جديدة أفضل. لقد بدد المجتمع اليمني خلال عام الكثير من فرص التحول التاريخي التي أتيحت أمامه للتغيير السلمي، وإنجاز مهمة التطوير والإصلاح التي يشترطها الواقع الموضوعي والذاتي للانتقال باليمن إلى وضع أكثر أمناً وازدهاراً وتطوراً، لتصل الأمور مرحلة متقدمة من المراوحة والجمود.. وخاصة بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنّة في الرياض برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وبحضور خليجي ودولي بارز، وأسفر التوقيع على المبادرة والآلية عن إجراءات وخطوات عملية أبرزها الدعوة لإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في 21 فبراير وتسمية رئيس الوزراء وتشكيل حكومة الوفاق الوطني وتشكيل اللجنة العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار، وصدور قانون الحصانة, والاتفاق على مرشح توافقي لخوض الانتخابات الرئاسية المبكرة. ومع ذلك لم يلمس المواطن أي انفراج للخروج من الأزمة الراهنة.. بل إن معاناة المواطنين زادت وتفاقمت في كل المجالات، فلا طرق فتحت ولا كهرباء عادت، ولا مظاهر مسلحة من العاصمة أُزيلت كاملة، ويفسر البعض ذلك بأن النخب السياسية والحزبية والقوى الاجتماعية الفاعلة وفي مقدمتها حكومة الوفاق الوطني بلغت مرحلة العجز وفقدان القدرة على التعاطي الإيجابي مع إشكالات الواقع والتصدي الناجح لها.. وأن هناك عدم قدرة في البحث عن وسائل بديلة ومعالجات ممكنة، وأن الرهان على الخارج أصبح أقصر وسيلة أمام البعض للتنصل من واجباته ومسؤولياته الوطنية، والتطلع إلى ما يمكن أن يُقدم من معالجات وحلول مفروضة من خارج الدائرة الوطنية. ومما يؤسف له أن النخب السياسية المعنية بهذه الأزمة والمسؤولة عن صناعتها والتي تتهرب من تنفيذ التزاماتها بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2014) كأساس لحل أي إشكال لازالت تغالط نفسها وشعبها، وتدفعها مصالحها وحساباتها الخاصة إلى الهروب من استحقاقات ومتطلبات الخروج من الأزمة، تاركة للشعب وحده مهمة دفع فواتير مؤجلة يُحتم على هذه النخب دفعها حين تحين ساعة الحساب.. قد يكون الشعب عفوياً وبريئاً في انجراره خلفهم والتعاطي الراهن مع مشاريعهم الخاصة، ولكنه لن يكون ولن يظل ساذجاً حتى يتجاهل جرائمهم بحقه وبحق الوطن ومستقبله. سؤال يبحث عن إجابة: وماذا بعد؟! هذا السؤال يتردد على شفاه كل مواطن يمني بسيط ضاقت به سبل العيش الكريم بسبب تعنت وعبث بعض الأطراف التي تريد الانقلاب على المبادرة الخليجية والآلية المنفذة لها، وتتجاوز إرادة الملايين من أبناء الشعب اليمني.. لقد وصل المواطن مرحلة من المعاناة تجاوزت مختلف حدود الصبر والتحمل، وبات يبحث عن خرم إبرة في حلقة الانسداد السياسي الراهن عله يرى بصيص ضوء أو أمل يستوضح من خلاله ما ينتظره خلف جدران هذه الأزمة، خاصة وأنه قادم على خوض الانتخابات الرئاسية المبكرة للمرشح التوافقي لمنصب رئيس الجمهورية لفترة انتقالية مدتها سنتان على أمل إنهاء الأزمة وإعادة الحياة في اليمن إلى مسارها الطبيعي. ولازال أمام الشعب اليمني فرصة تاريخية للخروج الآمن من مستنقع الأزمة من خلال التنفيذ الدقيق والمسؤول لما تضمنته المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المدعومة إقليمياً ودولياً، لحل إشكالات الواقع اليمني المُعاش كونها الأرضية الممكنة والديمقراطية والتوافقية وبما يجسد إرادة الشعب وخياراته السياسية التي تحقق تطلعاته المشروعة في التغيير، فالتهرب من استحقاقات المرحلة والوفاق الوطني لا يعني بالضرورة قبول المجتمع اليمني بالوضع الراهن واستمرار حالة المراوحة والجمود السياسي، فالمستجدات والتطورات المعتملة على الساحة اليمنية ومؤشراتهما الواقعية الظاهرة حتى الآن توحي بوجود حالة تفاعل ، وفرز اجتماعي سياسي من شأنهما أن يفضيا إلى عدد من الخيارات والبدائل العملية التي تمضي باتجاهات ومسارات متوازنة ومتلازمة مع بعضها البعض وإن اختلفت سرعاتها والمسافات التي قطعتها حتى الآن..